وسلم عرفت فالزم فشهد له بالمعرفة وهذا هو التجلي الآخر فإن تجلى الخيال ألطف من تجلى الحس بما لا يتقارب ولهذا يسرع إليه التقلب من حال إلى حال كما هو باطن الإنسان هنا كذلك يكون ظاهره في النشأة الآخرة وقد ورد أن في الجنة سوقا لا يباع فيه ولا يشترى لكنه مجلي الصور فمن اشتهى صورة دخل فيها كالذي هو باطن الإنسان اليوم فإذا جعل العابد معبوده بحيث يراه كأنه أنزله من قلبه منزلة من يراه ببصره من غير أن يكون هناك صورة من خارج كما كانت في تجلى المنام فإذا حدده هذا التخيل والحق لا حد له سبحانه يتقيد به فطهره علم الخشية وهو الحجر الذي ذكرناه من تقييد الحدود فطهر القلب إنما هو بالخشية من مثل هذا التشبيه والتقييد إذ ليس كمثله شئ فهذا اعتبار اتفاق العلماء بأن الحجارة تطهر المخرجين واختلفوا فيما عدا ما ذكرناه من الاتفاق عليه من المائعات والجامدات التي تزيل النجاسات من المحال التي ذكرناها فمن قائل إن كل مائع وجامد في أي موضع كان إذا كان طاهرا فإنه يزيل عين النجاسة وبه أقول ومن قائل بالمنع على الإطلاق إلا ما وقع عليه الاتفاق من الماء والاستجمار وقد ذكرناهما (باب منه) اختلفوا في الاستجمار بالعظم والروث اليابس فمنع من ذلك قوم وأجازوا الاستجمار بغير ذلك مما ينقى واستثني من ذلك قوم ما هو مطعوم ذو حرمة كالخبز وقد جاء في العظم أنه طعام إخواننا من الجن واستئنت طائفة أن لا يستجمر بما في استعماله سرف كالذهب والياقوت أما تقييدهم بأن في ذلك سرفا فليس بشئ فلو عللوه بأمر آخر يعقل كان أحسن ولكن ينبغي أن ينظر في مثل هذا فإن كان الذهب مسكوكا وعليه اسم الله أو اسم من الأسماء المجهولة عنده من طريق لسان أصحابها خوفا من أن يكون ذلك من أسماء الله بذلك اللسان أو يكون عليه صورة فيجتنب الاستجمار به لأجل هذا لا لكونه ذهبا ولا ياقوتا وقوم قصروا الإنقاء على الأحجار فقط وقوم أجازوا الاستجمار بالعظم دون الروث وإن كان مكروها عندهم ومن قائل بجواز الاستجمار بكل طاهر ونجس انفرد به الطبري دون الجماعة (وصل في اعتبار ما ذكرناه في الباطن) إذا صح الإنقاء من الأخلاق المذمومة والجهالات بأي شئ صح بخلق حسن أو بخلق آخر سفساف وبعلم شريف لشرف معلومه أو بعلم دون ذلك مما لا أثر له في المحل إلا الإنقاء جاز استعماله في إزالة هذه النجاسة وإلى هذا منزع الطبري فيما شذ فيه دون الجماعة ومن راعى في الإزالة ما يزال به لا ما يزال وتتبع الشرع وما فصله في ذلك المشرع فهو على حسب ما يفهم من الشارع في تفقهه في دين الله فإن فطر الناس مختلفة في الفهم عن الله وهو محل الاجتهاد فلا يزيل عين النجاسة إلا بالذي يغلب على فهمه من مقصود الشارع ما هو وهو الأولى وهذا يسرى في الحكم الظاهر والباطن سواء فأغنى عن التفصيل (باب في الصفة التي بها تزال هذه النجاسات) وهي غسل ومسح ونضح وصب وهو صب الماء على النجاسة كما ورد في الحديث لما بال الأعرابي في المسجد فصاح به الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزرموه حتى إذا فرع من بوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دعا بذنوب من ماء فصبه عليه فهذه حالة لا تسمى غسلا ولا مسحا ولا نضحا فلهذا زدنا الصب ولم يأت بهذه اللفظة العلماء وأدخلوا هذا الفعل تحت الغسل فاكتفوا بلفظ الغسل عن الصب فرأينا إن الإفصاح به بلفظ الصب أولى لأن الراوي ذكره بلفظ الصب ولم يسمه غسلا واعلم أنه ما اختلفت هذه المراتب إلا لاختلاف النجاسات تخفيفا عن هذه الأمة فإن المقصود زوال عينها الموجود المعين أو المتوهم فبأي شئ زال الوهم أو العين من هذه الصفات استعملت في إزالته واستعمال الأعم منها يدخل فيه الأخص فيغني عن استعمال الأخص إن فهمت كالغسل فإنه أعمها فيغني عن الكل والشارع قد صب وغسل ومسح ونضح وهو الرش وقد وردت في ذلك كله أخبار محلها كتب الفقه (وصل اعتبار الباطن في ذلك) إن الخلق المذموم إن وجدنا صفة إذا استعملناها أزالت جميع الأخلاق المذمومة استعملناها فهي كالغسل الذي يعم جميع الصفات المزيلة لأعيان النجاسات وتوهمها وهو الأولى والأيسر وإن تعذر ذلك فينظر في كل خلق مذموم وينظر إلى الصفة المزيلة لعينه فيستعملها في إزالة ذلك الخلق لا غير هذا هو ربط هذا الباب وفي هذا الباب
(٣٨٤)