ويعرف أنه يكذب وصاحب الشبهة يقول إنه صادق عند نفسه وهو كاذب في نفس الأمر وأما اعتبار دم الاستحاضة وهو الكذب لعلة فلا يمنع من الصلاة ولا من الوطء وهذا يدلك على أنه ليس بأذى فإن الحيض هو أذى فيتأذى الرجل بالنكاح في دم الحيض ولا يتأذى به في دم الاستحاضة وإن كان عن مرض فإن هذا الكذب وإن كان يدل على الباطل وهو العدم فإن له رتبة في الوجود وهو التلفظ به وكان المراد به دفع مضرة عما ينبغي دفعها بذلك الكذب أو استجلاب منفعة مشروعة مما ينبغي أن يظهر مثل هذا فيها وبسببها فيكون قربة إلى الله حتى لو صدق في هذا الموطن كان بعدا عن الله ألا ترى المستحاضة لا تمتنع من الصلاة مع سيلان دمها وأما دم النفاس فهو عين دم الحيض فإذا زاد على قدر زمان الحيض أو خرج عن تلك الصفة التي لدم الحيض خرج عن حكم الحيض والعناية بدم النفاس أوجه من العناية بدم الحيض من غير نفاس فإن الله ما أمسكه في الرحم ثم أرسله إلا ليزلق به سبيل خروج الولد رفقا بأمه فيسهل على المرأة به خروج الولد وخروج الولد هو النش ء الطاهر الخارج على فطرة الله والإقرار بربوبيته التي كانت له في قبض الذر فكان الدم النفاس بهذا القصد خصوص وصف كالمعين لبقاء ذكر الله بإبقاء الذاكر من جهة وصف خاص ولدم النفاس زمان ومدة في الشرع كما لدم الحيض ودم الاستحاضة ما له مدة يوقف عندها (باب في أكثر أيام الحيض وأقلها وأقل أيام الطهر) اختلف العلماء في هذا فمن قائل أكثر أيام الحيض خمسة عشر يوما ومن قائل أكثرها عشرة أيام ومن قائل أكثر أيام الحيض سبعة عشر يوما وأما أقل أيام الحيض فمن قائل لا حد له في الأيام وبه أقول فإن أقل الحيض عندنا دفعة ومن قائل أقله يوم وليلة ومن قائل أقله ثلاثة أيام وأما أقل أيام الطهر فمن قائل عشرة أيام ومن قائل ثمانية أيام ومن قائل خمسة عشر ومن قائل سبعة عشر ومن قائل ساعة وبه أقول ولا حد لأكثره (وصل اعتبار هذا الباب) زمان كذب النفس النية فيمتد بامتداد ما نوته حتى يطهر بالتوبة من ذلك فلا حد لأكثره ولا لأقله وكذلك زمان الطهر لا حد له جملة واحدة فإنه لا حد للصدق غير أنه تحكم عليه المواطن الشرعية بالحمد والذم وأصله الحمد كما أن الكذب تحكم عليه المواطن بالحمد والذم وأصله الذم فالواجب عليه أن يصدق دائما إلا أن يحكم الحال والواجب عليه ترك الكذب دائما إلا أن يحكم عليه حال ما وهو الكذب للعلة فأشبه دم الاستحاضة (باب في دم النفاس في أقله وأكثره) اختلف العلماء في هذه المسألة فمن قائل لا حد لأقله وبه أقول ومن قائل حده خمسة وعشرون يوما ومن قائل حده أحد عشر يوما ومن قائل عشرون يوما وأما أكثر زمانه فمن قائل ستون يوما ومن قائل سبعة عشر يوما ومن قائل أربعون يوما ومن قائل للذكر ثلاثون يوما وللأنثى أربعون يوما والأولى أن يرجع في ذلك إلى أحوال النساء فإنه ما ثبتت فيه سنة يرجع إليها (وصل اعتباره في الباطن) لا حد للنية من الزمان كما قلنا في اعتبار دم الحيض فإن دم الحيض هو عين دم النفاس وقد اعتبرناه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحائض أنفست بهذا اللفظ (باب في الدم تراه الحامل) اختلف فيه هل هو دم حيض أو هو دم استحاضة وحكم كل قائل فيه بحكم ما ذهب إليه (وصل اعتبار حكمه في الباطن) الحامل صفة النفس إذا امتلأت بالأمر الذي تجده فتبديه على غير وجهه وهو الكذب وقد يكون ذلك عن عادة اعتادها كما قال بعضهم لا يكذب المرء إلا من مهانته * أو عادة السوء أو من قلة الأدب أما قوله من مهانته فإن الملوك لا تكذب وقوله من قلة الأدب لما جاء في الخبر أن الشخص إذا كذب الكذبة تباعد منه الملك ثلاثين ميلا من نتن ما جاء به فالكاذب فيما لا يجوز له الكذب فيه أساء الأدب مع الملك فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم والإنسان يتأذى بالنتن كذلك الملك لقرب الشبه بين نش ء الملك ونش ء روح الإنسان (باب في الصفرة والكدرة هل هي حيض أم ليست بحيض)
(٣٦٨)