مسفوحا أعني كثيرا وبول ابن آدم ورجيعه إلا لرضيع واختلفوا في غير ذلك (وصل اعتبار الباطن في ميتة الحيوان ذي الدم البري) اعلم أن الموت موتان موت أصلي لا عن حياة متقدمة في الموصوف بالموت وهو قوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فهذا هو الموت الأصلي وهو العدم الذي للممكن إذ كان معلوم العين لله ولا وجود له في نفسه ثم قال تعالى فأحياكم وموت عارض وهو الذي يطرأ على الحي فيزيل حياته وهو قوله تعالى ثم يميتكم وهذا الموت العارض هو المطلوب في هذه المسألة ثم زاد وصفا آخر فقال ذي الدم الذي له دم سائل يقول أي الحيوان الذي له روح سائل أي سار في جميع أجزائه لا يريد من هي حياته عين نفسه التي هي لجميع الموجودات ثم زاد وصفا آخر فقال الذي ليس بمائي يريد الحيوان البري أي الذي في البر ما هو حيوان البحر إذ البحر عبارة عن العلم فيقول لا أريد بالحيوان الموجود في علم الله فإن في ذلك يقع الخلاف وإنما أريد الحيوان الذي ظهرت عينه وكانت حياته بالهواء فبهذه الشروط كلها ثبتت نجاسته بلا خلاف فإذا زال شرط منها لم يكن المطلوب بالاتفاق فإذا كانت حياة العبد عارضة لا ذاتية فينبغي إن لا يزهو بها ولا يدعي فلما ادعى وقال أنا وغاب عن شهود من أحياه عرض له الموت العارض أي هذا أصلك فرده إلى أصله ولكن غير طاهر بسبب الدعوى ونسيان من أحياه ثم إنا نظرنا في السبب الموجب لهذه الدعوى قال كونه بريا فقلنا ما معنى كونه بريا فقال حياته من الهواء فعلمنا إن الهوى هو الذي أراده كما قال تعالى ونهى النفس عن الهوى فكل متردد بين هواءين لا بد من هلاكه كما قال صاحبنا أبو زيد عبد الرحمن الفازاري رحمه الله هوى صحيح وهواء عليل * صلاح حالي بهما مستحيل أنشدنيها لنفسه بتلمسان سنة تسعين وخمسمائة فكل عبد اجتمعت فيه هذه الشروط اتفق العلماء على أنه نجس وأما اعتبار لحم الخنزير فإن لحمه مسري الحياة الدمية فإن اللحم دم جامد وصفة الخنزيرية وهي التولع بالقاذورات التي تستخبثها النفوس وهي مذام الأخلاق إذا ذهبت الحياة من ذلك للحم كان نجسا وذلك إذا اتفق أن يكون صاحب الخلق المذموم يغيب عن حكم الشرع فيه الذي هو روحه كان في حقه ميتة قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فقال مثلها ولم يقيد من وجه كذا فألحقها بمذام الأخلاق ثم قال فيمن لم يفعلها فمن عفا وأصلح فنبه على إن ترك الجزاء على السيئة من مكارم الأخلاق ولهذا قلنا بأي شئ ذهبت حياته إذ كانت التذكية لا تؤثر فيه طهارة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي طلب القصاص من قاتل من هو وليه فطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنه أو يقبل الدية فأبى فقال خذه فأخذه فلما قفى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه إن قتله كان مثله يريد قوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فبلغ ذلك القول الرجل فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخلى عن قتله وينبني على هذا مسألة القبح والحسن وهي مسألة كبيرة خاض الناس فيها وليس هذا الباب موضع الكشف عن حقيقة ذلك وإن كنا قد ذكرناها في هذا الكتاب والثالث من النجاسات المتفق عليها الدم نفسه من الحيوان البري إذا انفصل عن الحي أو عن الميت وكان كثيرا أعني بحيث أن يتفاحش فقد أعلمناك أن الحيوان البري هو لعين الموجودة لنفسها ما هي الموجود في علم الله كحيوان البحر وأن حياتها بالهواء وأن الدم هو الأصل الذي يخرج من حرارته ذلك البخار الذي تكون منه حياة ذلك الحيوان وهو الروح الحيواني فلما كان الدم أصلا في هذه النجاسة كان هو أولى بحكم النجاسة مما تولد عنه فالذي أورث العبد الدعوى هو العزة التي فطر الإنسان عليها حيث كان مجموع العالم ومضاهيا لجميع الموجودات على الإطلاق فلما غاب عن العناية الإلهية به في ذلك والموت الأصلي الذي نبه الله عليه في قوله وكنتم أمواتا وقوله تعالى وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا وقوله لم يكن شيئا مذكورا لذلك اتفق العلماء على نجاسته إذا تفاحش أي كثرت منه الغفلة عن هذا المقام فإن لم يتفاحش لم يقع عليه الاتفاق في هذا الحكم الرابع بول ابن آدم ورجيعه اعتباره اعلم أنه من شرفت مرتبته وعلت منزلته كبرت صغيرته ومن كان وضيع المنزلة خسيس المرتبة صغرت كبيرته والإنسان شريف المنزلة رفيع المرتبة نائب الحق ومعلم الملائكة فينبغي إن يطهر من عاشره ويقدس من خالطه فلما غفل عن حقيقته اشتغل بطبيعته فصاحبته الأشياء الطاهرة من المشارب والمطاعم أخذ طيبها بطبيعته لا بحقيقته وأخرج خبيثها بطبيعته
(٣٧٩)