بعد ذلك ولم يكن العقل يدل على إن ذلك الوصف يستحقه جلال الله بل كان يحيله عليه معنى وإطلاقا وأما الزيادة فما يحكم به الخيال على ربه من التقييد والتحديد من غير اعتقاد تنزيه فيما قيده به وحدده فهذا سهو الزيادة وذاك سهو النقصان فإن الله يقول ليس كمثله شئ وهو السميع البصير فليس كمثله شئ من هذه الآية هو دليل العقل وهو السميع البصير هو دليل السمع فجمع معتقد هذا بين الدليلين السمعي والعقلي وأما المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي خمسة شك فسجد 1 وقام من اثنتين ولم يجلس فسجد 2 وسلم من اثنتين فسجد 3 وسلم من ثلاث فسجد 4 وصلى خمسا ساهيا فسجد 5 واختلف الناس في سجوده هل سجد للزيادة والنقصان أو لسهوه فمن قائل لسهوه ومن قائل للزيادة والنقصان والذي أقول به أنه سجد لهما السجدة واحدة لسهوه والثانية للزيادة والنقصان فكان للنقص إتماما وكان للزيادة خيرا نور على نور (وصل في فصل الأفعال والأقوال التي يسجد لها القائلون بسجود السهو) اتفق العلماء على إن السجود يكون عن سنن الصلاة دون الفرائض ودون الرغائب فالرغائب لا شئ عندهم فيها إذا سها عنها المصلي في الصلاة ما لم تكن أكثر من رغبة واحدة مثل ما يرى مالك أنه لا يجب سجود من نسيان تكبيرة واحدة ويجب بأكثر من واحدة وأما الفرائض فلا يجزي عنها إلا الإتيان بها وجبرها إذا كان السهو عنها مما لا يوجب إعادة الصلاة بأسرها وأما سجود السهو للزيادة فإنه يقع عند الزيادة في الفرائض والسنن جميعا فهذه الجملة لا خلاف بينهم فيها وكل ما يقول فيه علماء الشريعة مستحب فذلك هو المرغب فيه وما عداه فهو سنة أو فرض والسنة والرغيبة عندهم من باب الندب ويختلف عندهم بالأقل والأكثر في تأكيد الأمر بها وذلك بحسب قرائن أحوال تلك العبادة حتى إن بعضهم يرى في بعض السنن ما إذا تركت عمدا إن كانت فعلا أو فعلت عمدا إن كانت تركا أن حكمها في الإثم حكم الواجب مثل لو ترك الإنسان الوتر أو الفجر دائما كان آثما فأما الجلسة الوسطى فاتفقوا على سجود السهو لتركها واختلفوا في الجلسة الوسطى هل هي فرض أو سنة واختلفوا هل يرجع الإمام إذا سبح به إليها أو ليس يرجع وإن رجع متى يرجع فقال الأكثر يرجع ما لم يستو قائما وقال قوم يرجع ما لم تنعقد الركعة التي قام إليها وقال قوم يرجع إن فارق الأرض قيد شبر وإذا رجع عند الذين لا يرون رجوعه فالأكثر على إن صلاته جائزة وقال قوم تبطل (وصل الاعتبار في هذا الفصل) فروض العبادات الحضور مع الحق عند الشروع فيها وسنن العبادات حضور المكلف فيها من حيث ما هو مكلف والرغائب فيها حضور فنائه فيها بتولي الحق أحكامها في جميع أفعالها فمن سها عن الفرائض لم تصح العبادة ولم تجبر إلا بها لا بسجود السهو وقد بينت لك ما معنى اعتبار سجود السهو ومن سها عن السنن سجد لها سجود السهو ومن سها عن الرغائب فهو مخير إن شاء سجد وإن شاء لم يسجد وأما الجلسة الوسطى فقد تكلمنا في اعتبارها في فصل واحد مع السجدة الآخرة فيما تقدم فأما سجود السهو لها فإن السجدة الأولى لسهوه والأخرى للنقص والجلوس لجبر عينها فأشبهت الفرائض التي تجبر بعينها لا بسجود السهو (وصل في فصل صفة سجود السهو) فقال قوم إذا كانت بعد السلام فيتشهد فيها ويسلم منها وقال قوم إذا كانت قبل السلام يتشهد لها فقط وإن السلام من الصلاة هو سلام منها وقال قوم ممن يرى القبلية للنقصان والبعدية للزيادة إنه لا يتشهد للتي قبل السلام وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من سجود السهو بعد السلام ولم يثبت التشهد في السهو وإن كان قد روى (وصل الاعتبار في هذا الفصل) أما قبل السلام فالسلام من الصلاة والتشهد يغني عن تكراره مثل الطواف والسعي أعني طواف القدوم للقارن فإن العمرة تطلب طوافا وسعيا والحج يطلب مثل ذلك وفي مذهب من يرى أنه يجزئ من ذلك طواف واحد وسعى واحد ومن لا يرى ذلك ويرى أن الواجب عليه طوافان وسعيان يرى التشهد والسلام ولكن صاحب هذا المذهب لا يصح أن يقول بالفرق بين الزيادة والنقصان كما إن صاحب المذهب الأول لا يصح أن يقول بالسجود بعد السلام إنما وقع الترغيم للشيطان في ذلك لكونه شرع للسهو السجود دون غيره من أفعال الصلوات
(٤٨٤)