والمكروه اجتنبه فعلا كان أو تركا والمباح أنت مخير فيه فإن غلب عليك طلب الأرباح فاجتنب المباح واشتغل بالواجب أو المندوب غير أنك إذا تصرفت في المباح فتصرف فيه على حضور أنه مباح وأن الشارع لولا ما أباحه لك ما تصرفت فيه فتكون مأجورا في مباحك لا من حيث كونه مباحا إلا من حيث إيمانك به أنه شرع من عند الله فإن الحكم لا ينتقل بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الحكم هو عين الشرع وقد سد ذلك الباب فالمباح مباح لا يكون واجبا ولا محظورا أبدا وكذلك كل واحد من الأحكام وإن خطر لك خاطر في فرض فقم إليه بلا شك فإنه من الملك وإذا خطر لك خاطر في مندوب فاحفظ أول الخاطر فإنه قد يكون من إبليس فأثبت عليه فإذا خطر لك أن تتركه لمندوب آخر هو أعلى منه وأولى فلا تعدل عن الأول وأثبت عليه واحفظ الثاني وافعل الأول ولا بد فإذا فرغت منه أشرع في الثاني فافعله أيضا فإن الشيطان يرجع خاسئا بلا شك حيث لم يتفق له مقصوده وبهذا الدواء يذهب مرض الشيطان من نفسك وتكون عمري المقام ما يلقاك الشيطان في فج إلا سلك فجا غير فجك إذا عاملته بمثل هذا فحافظ على ما نبهتك عليه فإن الله قد أثنى على الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ويكفي هذا القدر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس والخمسون) في معرفة الاستقراء وصحته من سقمه للاستقراء حد في المعاني * يلازمه القوي من الرجال له حكم ولا يعطيك علما * فصورته كمنزلة الظلال مزاحمة الدليل بقوم فيها * وأين العين من شخص المثال منازلة الظنون وإن منها * لمعطيك النزول إلى سفال فلا تحكم بالاستقراء قطعا * فما عين الغزالة كالغزال وإن ظهرت بالاستقراء علوم * فما حكم التضمر كالهزال خرج مسلم في صحيحه أن الله يقول شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين فسمى نفسه عز وجل أرحم الراحمين وقال إنه خير الغافرين وقال في الصحيح أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا فإذا استقرأنا الوجود إن الكرام الأصول لا يصدر منهم إلا مكارم الأخلاق من الإحسان للمحسن والتجاوز عن المسئ والعفو عن الزلة وإقالة العثرة وقبول المعذرة والصفح عن الجاني وأمثال هذا مما هو من مكارم الأخلاق واستقرأنا ذلك فوجدنا لا يخطئ بقول شاعر العرب في ذلك أن الجياد على أعراقها تجري والحق أولى بصفة مكارم الأخلاق من المخلوقين فهنا تكون صحة الاستقراء في الإلهيات وأما سقم الاستقراء فلا يصح في العقائد فإن مبناها على الأدلة الواضحة فإنه لو استقرأنا كل من ظهرت منه صنعة وجدناه جسما ونقول إن العالم صنعة الحق وفعله وقد تتبعنا الصناع فما وجدنا صانعا إلا ذا جسم فالحق جسم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وتتبعنا الأدلة في المحدثات فما وجدنا عالما لنفسه وإنما الدليل يعطي أن لا يكون عالم إلا بصفة زائدة على ذاته تسمى علما وحكمها فيمن قامت به أن يكون عالما وقد علمنا إن الحق عالم فلا بد أن يكون له علم ويكون ذلك العلم صفة زائدة على ذاته قائمة به كلا بل هو الله العالم الحي القادر القاهر الخبير كل ذلك لنفسه لا بأمر زائد على ذاته إذ لو كان ذلك بأمر زائد على نفسه وهي صفات كمال لا يكون كمال الذات إلا بها فيكون كماله بزائد على ذاته وتتصف ذاته بالنقص إذا لم يقم به هذا الزائد فهذا من الاستقراء وهذا الذي دعا المتكلمين أن يقولوا في صفات الحق لا هي هو ولا هي غيره وفيما ذكرناه ضرب من الاستقراء الذي لا يليق بالجناب العالي ثم إنه لما استشعر القائلون بالزائد سلكوا في العبارة عن ذلك مسلكا آخر فقالوا ما عقلناه بالاستقراء وإنما قلنا أعطى الدليل أنه لا يكون عالم إلا من قام به العلم ولا بد أن يكون أمرا زائدا على ذات العالم لأنه من صفات المعاني يقدر رفعه مع بقاء الذات فلما أعطى الدليل ذلك طردناه شاهدا وغائبا يعني في الحق والخلق وهذا هرب منهم وعدول عن عين
(٢٨٤)