قائل ليس فيها شئ أعني لا خراج ولا عشر وقال النعمان إذا اشترى الذمي أرض عشر تحولت أرض خراج فكأنه رأى أن العشر حق أرض المسلمين والخراج حق أرض الذميين ومن يرى هذا فينبغي إن أرض الذمي إذا انتقلت إلى المسلم أن تعود أرض عشر (اعتبار ذلك) للعقل حكم في النفس من حيث ذاته ونظره وللشرع حكم في النفس فإذا سلب العقل النفس من يد الشرع بشبهة اشتراها بها فهل يقبل الله منه كل عمل حمد صورته الشرع ولكن كان عمله من جهة العقل لا من جهة الشرع فمنا من قال يقبل ويجازى عليه في الدنيا إن لم يكن موحدا وكان مشركا فإن كان موحدا قبل منه وجوزي عليه جزاء غير المؤمن فإن المؤمن له في عمله يوم القيامة جزاءان جزاء من حيث إنه مؤمن عامل بشريعة وجزاء من حيث إن ذلك العمل من مكارم الأخلاق وأنه خير وقد قال صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام حين أسلم وكان قد فعل في الجاهلية خيرا أسلمت على ما أسلفت من خير فجازاه الله بما كان منه من خير في زمان جاهليته فإن الخير يطلب الجزاء لنفسه فإذا اقترن به الايمان تضاعف الجزاء لزيادة هذه الصفة فإن لها حقا آخر فحكم الشرع العشر وحكم العقل الخراج (وصل) إذا أخرج الزكاة فضاعت فقال قوم تجزى عنه وقال قوم هو لها ضامن حتى يضعها موضعها وقوم فرقوا بين أن يخرجها بعد أن أمكنه إخراجها وبين أن يخرجها أول زمان الوجوب والإمكان فقال بعضهم إن أخرجها بعد أيام من الإمكان والوجوب ضمن وإن أخرجها في أول الوجوب ولم يقع منه تفريط لم يضمن وقال قوم إن فرط ضمن وبه أقول وإن لم يفرط زكى ما بقي وقال قوم بل يعد الذاهب من الجميع ويبقى المساكين ورب المال شريكين في الباقي بقدر حظهما من حظ رب المال مثل الشريكين يذهب بعض المال المشترك بينهما ويبقيان شريكين على تلك النسبة في الباقي فالحاصل في المسألة خمسة أقوال قوله إنه لا يضمن بإطلاق وقول إنه يضمن بإطلاق وقول إن فرط ضمن وإن لم يفرط لم يضمن وقول إن فرط ضمن وإن لم يفرط زكى ما بقي والقول الخامس يكونان شريكين في الباقي وأما إذا ذهب بعض المال بعد الوجوب وقيل تمكن إخراج الزكاة فقيل يزكي ما بقي وقال قوم حال المساكين وحال رب المال حال الشريكين يضيع بعض مالهما وأما إذا وجبت الزكاة وتمكن الإخراج فلم يخرج حتى ذهب بعض المال فإنه ضامن باتفاق والله أعلم إلا في الماشية عند من يرى أن وجوبها إنما يتم بشرط خروج الساعي مع الحول وهو مذهب مالك (وصل الاعتبار في ذلك) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنحوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم وإنفاق الحكمة عين زكاتها ولها أهل كما للزكاة أهل فإذا أعطيت الحكمة غير أهلها وأنت تظن أنه أهلها فقد ضاعت كما ضاع هذا المال بعد إخراجه ولم يصل إلى صاحبه فهو ضامن لمن ضاع لأنه فرط حيث لم يتثبت في معرفة من ضاعت عنده هذه الحكمة فوجب عليه أن يخرجها مرة أخرى لمن هو أهلها حتى تقع في موضعها وأما حكم الشريكين في ذلك كما تقرر فإن حامل الحكمة إذا جعلها في غير أهلها على الظن فهو أيضا مضيع لها والذي أعطيت له ليس بأهل لها فضاعت عنده فيضيع بعض حقها فيستدرك معطي الحكمة غير أهلها ما فاته بأن ينظر في حال من ضاعت عنده الحكمة فيخاطبه بالقدر الذي يليق به ليستدرجه حتى يصير أهلا لها ويضيع من حق الآخر على قدر ما نقصه من فهم الحكمة الأولى التي ضاعت عنده والحال فيما بقي من وجوه الخلاف في الاعتبار على هذا الأسلوب سواء فمن قال بعموم قوله صلى الله عليه وسلم من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار فسأله من ليس بأهل الحكمة فضاعت الحكمة قال لا يضمن على الإطلاق ومن أخذ بقوله صلى الله عليه وسلم لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها قال يضمن على الإطلاق وضمانها أنه يعطيه من الوجوه فيما سأله ما يليق به وإن لم يصح ذلك في نفس الأمر كالأينية فيمن لا يتصف بالتحيز ومن أعرض عن الجواب الأول إلى جواب في المسألة يقتضيه حال السائل والوقت قال يزكي ما بقي ويكون حكم ما مضى وضاع كحكم مال ضاع قبل الحول ومن قال يتعين عليه النظر في حال السائل فلما لم يفعل فقد فرط فإن فعل وغلط لشبهة قامت له تخيل أنه من أهل الحكمة فلم يفرط فهو بمنزلة من قال إن فرط ضمن وإن لم يفرط لم يضمن والقول الخامس قد تقدم في الشريك ولا يخلو العالم أن يعتقد فيما عنده من العلم الذي يحتاج الخلق إليه أن يكون عنده لهم كالأمانة فحكمه في ذلك حكم الأمين أو يعتقد
(٥٥٧)