ذلك في حال إحرامها مع كشف وجهها وهذا نقيض الغيرة التي في العامة التي ما خوطبنا بها فعليك بالغيرة الإيمانية الشرعية لا تزد عليها فتشقى في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فلا تزال متعوب النفس وأما في الآخرة بما يؤدي إلى سؤال الحق عن ذلك بما ينجر معها من سوء الظن ومن الاعتراض بالحال على الله وحصول الكراهة في النفس بما أباحه الله (حديث ثامن عشر في المسارعة إلى البيان عند الحاجة واحتزام المحرم) ذكر أبو داود عن صالح بن حسان أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا محرما محتزما بحبل أبرق فقال يا صاحب الحبل ألقه فيحتجون بمثل هذا الحديث أن المحرم لا يحتزم والنبي صلى الله عليه وسلم ما قال فيه ألقه لأنك محرم فما علل للالقاء بشئ فيحتمل أن يكون لكونه مجرما ويحتمل أن يكون لأمر آخر وهو أن يكون ذلك الحبل إما مغصوبا عنده وإما للتشبه بالزنار الذي جعل علامة للنصارى اعلم أن الاحتزام مأخوذ من الحزم وهو الاحتياط في الأخذ بالأمور التي يكون في الأخذ بها حصول السعادة للإنسان ومرضاة الرب إذا كان الحزم على الوجه المشروع في الوجه المشروع والحبل إذا كان حبل الله وهو السبب الموصل إلى إدراك السعادة فإن كان ذلك المحتزم احتزم بحبل الله معلما بأخذ الشدائد والأمور والمهمة وقال له ألقه فإنما ذلك مثل قوله من يشاد هذا الدين يغلبه وقوله إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق وكان كثيرا ما يأمر صلى الله عليه وسلم بالرفق وقال إن الله يحب الرفق في الأمر كله والحزم ضد الرفق فإن الحزم سوء الظن وقد نهينا عن سوء الظن والأمر أيسر مما يتخيله الحازم وهو يناقض المعرفة فإنه لا يؤثر في القدر الكائن والأمر الشديد على الواحد إذا انقسم على الجماعة هان قال بعضهم إذا الحمل الثقيل تقسمته * رقاب الخلق خف على الرقاب أ لا ترى الله تعالى يقول واعتصموا بحبل الله جميعا وقال في الواحد ومن يعتصم بالله وقال تعاونوا على البر والتقوى فيعتصم به الواحد والجماعة ولما ذكر الحبل أمر الجماعة بالاعتصام به حتى يهون عليهم ثم إنه مع كونهم جماعة قد يشق عليهم لشدته وقد تضعف الجماعة عنه فأعانهم بنفسه وما ذكر من نفسه إلا ما يعلم أنه الموصوف بالقدرة منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يد الله مع الجماعة فيستعينون به ويعينهم بكون يد الله معهم على الاعتصام بحبل الله وهو عهده ودينه المشروع فينا الذي لا يتمكن لكل واحد منا على الانفراد الوفاء به فيحصل بالمجموع لاختلاف أحوال المخاطبين ولا يكون إلا هكذا فلهذا اعتبره صلى الله عليه وسلم تنبيها له فقال له ألقه هذا اعتباره الذي يحتاج إليه ولا سيما المحرم فإنه محجور عليه فزاد بالحبل احتجارا على احتجار فكأنه قال له يكفيك ما أنت عليه من الاحتجار فلا تزد فما كان أرفقه بأمته صلى الله عليه وسلم وإنما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهميان للمحرم لأن نفقته فيه الذي أمره الله أن يتزود بها إذا أراد الحج فقال وتزودوا فإن خير الزاد التقوى فالتقوى ههنا ما يتخذه الحاج من الزاد ليقي به وجهه من السؤال ويتفرع لعبادة ربه وليس هذا هو التقوى المعروف ولهذا ألحقه بقوله عقيب ذلك واتقوني يا أولي الألباب فأوصاه أيضا مع تقوى الزاد بالتقوى فيه وهو أن لا يكون إلا من وجه طيب ولما كان الهميان محلا له وظرفا ووعاء وهو مأمور به في الاستصحاب رخص له في الاحتزام به فإنه من الحزم أن تكون نفقة الرجل صحبته فإن ذلك أبعد من الآفات التي يمكن أن تطرأ عليه فتتلفه ذكر أبو أحمد بن عدي الجرجاني من حديث ابن عباس قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهميان للمحرم وإن كان هذا الحديث لا يصح عند أهل الحديث وهو صحيح عند أهل الكشف (حديث تاسع عشر في الإحرام من المسجد الأقصى) خرج أبو داود من حديث أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة في إسناده مقال (المناسبة) المسجد يناقض الرفعة فهو بعيد منها وهو سبب في حصولها قال عليه السلام من تواضع لله رفعه الله والأقصى البعيد والحرام المحجور فهو بعد في قرب لمن هو فيه فالأقصى بالنسبة إلى المسجد هو بعيد مما خوطب به ممن هو في المسجد الحرام
(٧٤٤)