كما أنهم شاركوهم في اسم العلم وانفصلوا عنهم بمن أغنى بالمعلوم أي بمن تعلق علمهم وهذا كله مدرك أهل أيام التشريق فإن أكلوا فيها فمن حيث إنها أيام أكل وشرب وذكر وإن صاموا فيها فمن حيث إنها أيام ذكر الله فشغلهم الذكر عن الأكل والشرب فامتناعهم عن الأكل امتناع حال لا امتناع عبادة (وصل في فصل صيام يوم الفطر والأضحى) هذان اليومان محرم صومهما بحديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد أما حديث أبي سعيد الثابت فإنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصح صيام يومين يوم الفطر من رمضان ويوم النحر وبه يحتج من يرى صيام أيام التشريق لأن دليل الخطاب يقتضي أن ما عدا هذين اليومين يصح الصيام فيها وإلا كان تخصيصهما عبثا وأما حديث أبي هريرة الثابت أيضا في مسلم فهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الفطر هو يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحون هكذا فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره الترمذي عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيه حديث حسن صحيح وسبب منع الصوم له في هذين اليومين لأن بالفطر والأضحى صح له التمييز بينه وبين ربه فعلم ما له وما لديه فحرم عليه التلبس بالصوم في هذين اليومين اللذين هما دليلان على العلم بالفارق والتمييز فلم يتمكن مع ذلك التلبس بالصوم فإن الصوم لله إذ كان صفة صمدانية منزهة من كانت صفته عن الطعام والشراب فلو تلبس بالصوم مع مشاهدة وجه هذا الدليل لم يكن صادقا في إخباره عن نفسه أنه في هذا المقام فكان فطره في هذين اليومين عبادة وتكليفا مشروعا ليجمع بين الحالتين فأعطاه الكشف العبادة من ذلك لما ذكرناه وأعطاه التكليف الشرعي الأجر في ذلك إذ عمل بحكمه لما نهاه صلى الله عليه وسلم عن صيامهما ولهذا قلنا في رؤية هلال الفطر إنه مستقبل عبادة كما علله بعض العلماء في هلال الصوم وغاب عن تحريم الصوم في هلال الفطر فأوجب في رؤيته شاهدين (وصل في فصل من دعي إلى طعام وهو صائم) فمن قائل يجيب الداعي ولا بد بالاتفاق واختلفوا هل يفطر أو يبقى على صومه فمن قائل إنه يعرف صاحب الدعوة أنه صائم ويدعو له وبه قال أبو هريرة ومن قائل إنه لا يأكل ويصلي الصلاة المشروعة غير المكتوبة ويدعو للداعي وبه يقول أنس ومن قائل هو مخير بين الفطر وتمام الصوم ولكن إن أفطر قضاه وبه يقول طلحة بن يحيى وغيره ومن قائل إن شاء أفطر ولا قضاء عليه وبه يقول شريك ومجاهد ومن قائل يفطر إن شاء ما لم ينتصف النهار وبه يقول جعفر ابن الزبير ومن قائل بالتخيير في القضاء إذا أفطر وبه تقول أم هاني وسماك بن حرب اعلم وفقك الله توفيق العارفين أن الذي يشرع في الصوم ابتداء من نفسه من غير أن يعين الحق عليه ذلك اليوم الذي يصبح فيه صائما فإنه عقد عقدة مع الله على طريق القربة إليه تعالى من هذه العبادة الخاصة التي تلبس بها وشرع فيها والله يقول له ولا تبطلوا أعمالكم فإن كان في مقام السلوك فلا يعود نفسه نقض العهد مع الله تعالى فإن الله يقول وأوفوا بعهدي أف بعهدكم ولا سيما فيما أوجبته على نفسك وعقدت عليه مع ربك وهو قوله لا إلا أن تطوع وإن كان من أهل العلم بالله الأكابر الذين حكموا أنفسهم وصحت لهم الخلافة على نفوسهم فهم لا يرون متكلما ولا آمرا ولا داعيا في الوجود إلا الله على ألسنة العباد كما قال صلى الله عليه وسلم إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فهم في جميع نطق العالم كله حالا ومقالا بهذه الصفة فإن صحة مقام الشهود تحكم عليهم بذلك فإنهم لا ينكرون ما يعرفون وكما يقول المحجوب فلان تكلم يقول صاحب هذا المقام الحق تكلم على لسان هذا العبد بكذا وكذا أي شئ كان ثم إن المتكلم لا يخلو إما أن يكون في هذا المقام أيضا فيرى أنه ينطق بالحق لا بنفسه أو لا يكون في هذا المقام فللمدعو أن ينظر في حال الداعي فإن دعاه بربه أجاب دعوته وقال إني صائم ولم يأكل ودعا لأهل البيت وصلى عندهم وإن شاء أكل إن عرف أن أكله مما يسر به الداعي فهو مخير لكماله وتحققه بالصفة فإن الكامل له التخيير في المشيئة أبدا فإن شاء وإن شاء ما لم يعزم فإن عزيمته مثل قوله ما يبدل القول لدي ومثل قوله ولا بد له من لقائي وأمثال ذلك وإن دعاه هذا الداعي بنفسه فإنه لا يدعو إلا مثله
(٦٥١)