الشهوات الطبيعية الصارفة عن النظر الصحيح واقتناء العلوم الإلهية فيأخذ في الشروع في ذلك فهذا أيضا سبب نقص العلوم ولا أعني بالعلوم التي يكون النقص منها عيبا في الإنسان إلا العلوم الإلهية وإلا فالحقيقة تعطي أنه ما ثم نقص قط وأن الإنسان في زيادة علم أبدا دائما من جهة ما تعطيه حواسه وتقلبات أحواله في نفسه وخواطره فهو في مزيد علوم لكن لا منفعة فيها والظن والشك والنظر والجهل والغفلة والنسيان كل هذا وأمثاله لا يكون معها العلم بما أنت فيه بحكم الظن أو الشك أو النظر أو الجهل أو الغفلة أو النسيان وأما نقص علوم التجلي وزيادتها فالإنسان على إحدى حالتين خروج الأنبياء بالتبليغ أو الأولياء بحكم الوراثة النبوية كما قيل لأبي يزيد حين خلع عليه خلع النيابة وقال له اخرج إلى خلقي بصفتي فمن رآك رآني فلم يسعه إلا امتثال أمر ربه فخطا خطوة إلى نفسه من ربه فغشي عليه فإذا النداء ردوا على حبيبي فلا صبر له عني فإنه كان مستهلكا في الحق كأبي عقال المغربي فرد إلى مقام الاستهلاك فيه الأرواح الموكلة به المؤيدة له لما أمر بالخروج فرد إلى الحق وخلعت عليه خلع الذلة والافتقار والانكسار فطاب عيشه ورأى ربه فزاد أنسه واستراح من حمل الأمانة المعارة التي لا بد له أن تؤخذ منه والإنسان من وقت رقية في سلم المعراج يكون له تجل إلهي بحسب سلم معراجه فإنه لكل شخص من أهل الله سلم يخصه لا يرقى فيه غيره ولو رقى أحد في سلم أحد لكانت النبوة مكتسبة فإن كل سلم يعطي لذاته مرتبة خاصة لكل من رقى فيه وكانت العلماء ترقي في سلم الأنبياء فتنال النبوة برقيها فيه والأمر ليس كذلك وكان يزول الاتساع الإلهي بتكرار الأمر وقد ثبت عندنا أنه لا تكرار في ذلك الجناب غير إن عدد درج المعالي كلها الأنبياء والأولياء والمؤمنون والرسل على السواء لا يزيد سلم على سلم درجة واحدة فالدرجة الأولى الإسلام وهو الانقياد وآخر الدرج الفناء في العروج والبقاء في الخروج وبينهما ما بقي وهو الايمان والإحسان والعلم والتقديس والتنزيه والغني والفقر والذلة والعزة والتلوين والتمكين في التلوين والفناء إن كنت خارجا والبقاء إن كنت داخلا إليه وفي كل درج في خروجك عنه ينقص من باطنك بقدر ما يزيد في ظاهرك من علوم التجلي إلى أن تنتهي إلى آخر درج فإن كنت خارجا ووصلت إلى آخر درج ظهر بذاته في ظاهرك على قدرك وكنت له مظهرا في خلقه ولم يبق في باطنك منه شئ أصلا وزالت عنك تجليات الباطن جملة واحدة فإذا دعاك إلى الدخول إليه فهي أول درج يتجلى لك في باطنك بقدر ما ينقص من ذلك التجلي في ظاهرك إلى أن تنتهي إلى آخر درج فيظهر على باطنك بذاته ولا يبقى في ظاهرك تجل أصلا وسبب ذلك أن لا يزال العبد والرب معا في كمال وجود كل واحد لنفسه فلا يزال العبد عبدا والرب ربا مع هذه الزيادة والنقص فهذا هو سبب زيادة علوم التجليات ونقصها في الظاهر والباطن وسبب ذلك التركيب ولهذا كان جميع ما خلقه الله وأوجده في عينه مركبا له ظاهر وله باطن والذي نسمعه من البسائط إنما هي أمور معقولة لا وجود لها في أعيانها فكل موجود سوى الله تعالى مركب هذا أعطانا الكشف الصحيح الذي لا مرية فيه وهو الموجب لاستصحاب الافتقار له فإنه وصف ذاتي له فإن فهمت فقد أوضحنا لك المنهاج ونصبنا لك المعراج فاسلك واعرج تبصر وتشاهد ما بيناه لك ولما عينا لك درج المعارج ما أبقينا لك في النصيحة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لو وصفنا لك الثمرات والنتائج ولم نعين لك الطريق إليها لشوقناك إلى أمر عظيم لا تعرف الطريق الموصل إليه فوالذي نفسي بيده أنه لهو المعراج والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب العشرون في العلم العيسوي ومن أين جاء وإلى أين ينتهي وكيفيته وهل تعلق بطول العالم أو بعرضه أو بهما) علم عيسى هو الذي * جهل الخلق قدره كان يحيى به الذي * كانت الأرض قبره قاوم النفخ إذن من * غاب فيه وأمره أن لاهوته الذي * كان في الغيب صهره هو روح ممثل * أظهر الله سره
(١٦٧)