المجموع لم يصح القصد ولا صحت العبادة وذلك لأن أصل استنادنا في وجودنا ما هو للذات الغنية من كونها ذاتا بل من كون هذه الذات إلها فاستناد للمجموع ولهذا كثرت الآلهة في العالم في ذوات مختلفة في زعم من جعلها آلهة كما كثرت البيوت في بقاع مختلفة وما صح منها أن يكون بيتا لهذه العبادة إلا هذا الخاص لهذا الجمع الخاص وإن كانت كلها بيوتا في بقع ثم إن الله تعالى لما اتصف بالغيرة ورأى ما يستحقه من المرتبة قد نوزع فيها ورأى أن المنسوب إليهم هذا النعت وهذا الاسم لم يكن لهم فيه قصد ولا إرادة من فلك وملك ومعدن ونبات وحيوان وكوكب وإنهم يتبرءون منهم يوم القيامة قضى الله حوائج من عبدهم غيرة ليظهر سلطان هذه النسبة لأنهم ما عبدوه لكونه حجرا ولا شجرا بل عبدوه لكونه إلها في زعمهم فالإله عبدوا فما رأى معبود إلا هو ولهذا يوم القيامة ما يأخذهم إلا بطلب المعبودين فإن ذلك من مظالم العباد فمن هنالك يجازيهم الله بالشقاء لا من حيث عبادتهم فالعبادة مقبولة ولهذا يكون المال إلى الرحمة مع التخليد في جهنم فإنهم أهلها فتفطن فقد اجتمعوا معنا في كوننا ما عبدنا هذه الذات لكونها ذاتا بل لكونها إلها فوضعنا الاسم حقيقة على مسماه فهو الله حقا لا إله إلا هو فلما نسبنا ما ينبغي لمن ينبغي سمينا علماء سعداء وأولئك جهلاء أشقياء لأنهم وضعوا الاسم على غير المسمى فأخطئوا فهم عباد الاسم والمسمى مدرج فوقع التمييز بيننا وبينهم في الدار فسكنا دارا تسمى جنة لها ثمانية أبواب الباب الثامن وضع الاسم على مسماه حقيقة وكانت النار سبعة أبواب لأن الباب الثامن هو وضع الاسم على مسماه وأهل جهنم ما وضعوه على مسماه فجهلوا فظهر الحجاب فلم يروا إلا مسماهم وذهب الاسم عنهم يطلب مسماه فأخذه من استحقه وهو الله فعرفوا في الآخرة ما جهلوه في الدنيا ولم تنفعهم معرفتهم ولكن راعى الحق سبحانه قصدهم حيث أنهم ما عبدوا إلا الله لا الأعيان فصيرهم في العاقبة إلى شمول الرحمة بعد استيفاء حقوق المعبودين منهم ولذلك جعله من الكبائر التي لا تغفر ولكن ما كل مشرك بل المشركون الذين بعثت إليهم الرسل أو لم يوفوا النظر حقه ولا اجتهدوا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن المجتهد وإن أخطأ فإنه مأجور ولم يعين فرعا من أصل بل عم وصدق قوله ورحمتي وسعت كل شئ وقوله سبقت رحمتي غضبي وإن الميزان ما هو على السواء في القبضتين وإنما هو على السواء بين العمل والجزاء لذلك وضع الميزان وهذه المسألة الميزانية غلط فيها جماعة من أهل الله منهم أبو القسم بن قسي صاحب خلع النعلين ومن تابعه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حديث سابع وعشرون أين يكون البيت من الطائف) خرج الترمذي عن جابر قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة دخل فاستلم الحجر ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا الحديث لما كان الحجر يمين الله وجعل للإنسان المخلوق على الصورة يمينا شرع له أن يكون في طوافه بين يمين الله ويمينه فيكون مؤيدا بالقوتين معا فلا يجد الشيطان إليه دخولا لأن الشيطان ليس له على اليمين سبيل وإنما يلقي في قلب العبد وهو مائل إلى جهة الشمال فيكون يمين الحق في الطواف في حق الطائف يحفظه وهو ذو يمين من نشأته فلا يزال محفوظا فإذا انتقل من موازنته وهو من حد الركن العراقي إلى الركن اليماني تحفظه عناية البيت المنسوب إلى الله فإن قلت فقد أخبر الله تعالى عن إبليس أنه يأتينا من قبل اليمين قلنا اليمين الذي أراد الشيطان هنا ليس هو يمين الجارحة فإنه لا يلقي على الجوارح وكذلك ما هو شمال الجوارح ولا أمام الإنسان ولا خلفه وأن محل إلقائه إنما هو القلب فتارة يلقي في القلب ما يقدح في أفعال ما يتعلق بيمينه أو شماله أو من خلفه أو من بين يديه ونحن إنما نريد باليمين هنا هذه الجهة المخصوصة فإن قلت وكذا المشرك له هذه اليمين قلنا بالمجموع وقع ما وقع وما يكون المجموع إلا للمؤمن وهذا معنى قوله تعالى فأما إن كان من أصحاب اليمين يريد يمين المبايعة التي بيدها الميثاق ما يريد يمين الجارحة (حديث ثامن وعشرون من رأى الركوب في الطواف والسعي) خرج مسلم عن جابر قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة الحديث وكذلك أيضا وقف بعرفة وبجمع ورمى الجمار كل ذلك وهو راكب إعلام منه صلى الله عليه وسلم أنه محمول في جميع أحواله من طاعة ربه وأنه بغيره لا بنفسه وكان من حامله كعضو من أعضائه بالنسبة إليه فكما إن أعضاءه محمولة لنفسه
(٧٤٩)