الغرب بجسمه ويتخيل أن حركته إلى جهة قصده وهو قوله تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون فإنهم لما استيقظوا من نوم غفلتهم ووصلوا إلى منزل وحطوا عن رحالهم طلبوا ما قصدوه فقيل لهم من أول قدم فارقتموه فما ازددتم منه إلا بعدا فيقولون يا ليتنا نرد ولا سبيل إلى ذلك فلهذا وصفوا بالحجاب عن ربهم الذي قصدوه بالتوجه على غير الطريق الذي شرع لهم فإذا علمت ما اعتبرناه فلترتب الجنائز على قدر مقامك ولا نحكم فالحكم ليس لك وإنما هو للشارع فإن وقفت من الشارع في ذلك المقام من طريق الكشف على حكم صحيح ثابت في ذلك فاعمل به ولا تتعداه وقف عنده فما ذا بعد الحق إلا الضلال (وصل في فصل من فاته التكبير على الجنازة) اختلفوا في الذي يفوته بعض التكبير على الجنازة في مواضع منها هل يدخل بتكبير أم لا ومنها هل يقضي ما فاته أم لا وإن قضى فهل يدعو بين التكبيرات أو لا فمن قائل يكبر أول دخوله ومن قائل ينتظر حتى يكبر الإمام وحينئذ يكبر وأما قضاء ما فاته فمن قائل يقضي ما فاته من التكبير والدعاء ومن قائل يقضي ما فاته من التكبير نسقا من غير دعاء والذي أذهب إليه أن الذي يدرك مع الإمام من التكبير هو أول له ثم يتم صلاته بتكبيراتها والدعاء (الاعتبار) التكبير تعظيم الحق فليسارع إليه ولا ينتظر الإمام ويقضي ما فاته من التكبير نسقا من غير دعاء فإن الله تعالى يقول من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين والمدعو له هنا الميت فيعطي الميت بالذكر من المصلي أفضل مما يعطيه لو دعا له والمقصود بالدعاء للميت إنما هو النفع والنفع الأعظم قد حصل بالذكر (وصل في فصل الصلاة على القبر لمن فاتته الصلاة على الجنازة) فقال قوم لا يصلي على القبر وقال قوم لا يصلي على القبر إلا وليها فقط إذا فاتته الصلاة عليها وكان قد صلى عليها غير وليها وقال قوم يصلي على القبر من فاتته الصلاة على الجنازة واتفق القائلون بإجازة الصلاة على القبر أن من شرط ذلك حدوث الدفن واختلف هؤلاء في المدة في ذلك فأكثرها شهر وبالصلاة على القبر أقول من غير مدة (وصل الاعتبار في هذا الفصل) لا يصلي على الميت حتى يوارى عن الأبصار في أكفانه فلا فرق أن يوارى بأكفانه أو يوارى بقبره وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على الميت بعد ما دفن في قبره فالاعتبار أن الجسم خلق من التراب وعاد إلى أصله فلا فرق بينه في حال انفصاله وبروزه على وجه الأرض أو حصوله تحت التراب فهو منها فإن كان المراد بتلك الصلاة الروح المدبر لهذا الجسم فالروح قد عرج به إلى بارئه وقد فارق الجسد فلا مانع من الصلاة عليه وإن كان المراد بتلك الصلاة الجسد دون الروح فسواء كان فوق الأرض أو تحت الأرض فإن الشارع ما فرق فكل واحد من الإنسان قد رجع إلى أصله فالتحق الروح منه بالأرواح والتحق العنصري منه بالعنصر (فصول من يصلي عليه ومن أولى بالتقديم) فمن ذلك الصلاة على من هو من أهل لا إله إلا الله فمن قائل يصلي عليهم مطلقا ولو كانوا من أهل الكبائر والأهواء والبدع وكره بعضهم الصلاة على أهل البدع وبالأول أقول ولم يجز آخرون الصلاة على أهل الكبائر ولا على أهل البغي والبدع ولو علم هذا القائل إن المصلي على الجنازة شفيع وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خبأت دعوتي شفاعة لأهل الكبائر من أمتي (وصل اعتبار هذا الفصل) قال صلى الله عليه وسلم صلوا على من قال لا إله إلا الله ولم يفصل ولا خصص وعم بقوله من وهي نكرة تعم فالمفهوم من هذا الكلام الصلاة على أهل التوحيد سواء كان توحيدهم عن نظر أو عن إيمان أعني عن تقليد للرسول أو عن نظر وإيمان معا ومعنى الايمان أن يقولها على جهة القربة المشروعة من حيث ما هي مشروعة وهذا لا سبيل إلى الوصول إلى معرفته من القائل لها إلا بوحي أو كشف فإنه غيب وما كلف الله نفسا إلا وسعها ولهذا ربطه بالقول ومن لا يتصور منه القول أو لم يسمع أنه قالها كالصبي الرضيع فإن الرضيع يلحق بأبيه في الحكم فيصلي عليه ومن لم تسمع منه يلحق بالدار والدار دار الإسلام وهو بين المسلمين ولم يعرف منه دين أصلا لا الإسلام ولا غيره وكان مجهولا فإنه يحكم له بالدار فيصلي عليه فإذا كانت عناية الدار تلحقه بالمحقق إسلامه فما ظنك
(٥٣٣)