وبين ما يظهر لأرباب العقول أصحاب النواميس الحكمية والمعلوم واحد والطريق مختلف وصاحب الذوق يفرق بين الأمرين (وصل في فصل زمان الإمساك) اتفقوا على إن آخره غيبوبة الشمس واختلفوا في أوله فمن قائل الفجر الثاني وهو المستطير ومن قائل هو الفجر الأحمر الذي يكون بعد الأبيض وهو قول حذيفة وابن مسعود وهو نظير الشفق الأحمر الذي يكون في أول الليل والذي أقول به هو تبينه للناظر إليه حينئذ يحرم الأكل وهذا هو نص القرآن حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود يريد بياض الصبح وسواد الليل (وصل الاعتبار في هذا) غيبوبة الشمس هي انقضاء مدة حكم الاسم الإلهي رمضان في الصوم فإنه الذي شرع الصوم فانتهاء مدة حكمه في الصوم هو مغيب الشمس وإن كان اسم رمضان كما هو لم يزل عن ولايته فإن له حكما آخر فينا وهو القيام وتولي الحكم في المحل الذي كان موصوفا بالصيام الاسم الذي هو فاطر السماوات والأرض ولكن بتولية اسم رمضان إياه فهو النائب عنه كما أنه في الصوم رفيع الدرجات وممسك السماوات والأرض أن تزولا أو ان تقع على الأرض إلا بإذنه فأفطر الصائم وبقي حكمه مستمرا في القيام إلى الحد الذي يحرم فيه الأكل الاسم الإلهي رمضان فتولى الاسم الممسك ويبقى الاسم الفاطر واليا على المريض والمسافر والمرضع والحامل وذلك الحد هو الفجر الأبيض المستطير وهو الأولى من الفجر الأحمر إلا عند من يقول بفار التنور إنه الفجر كما إن الأخذ بالتواتر أولى من الأخذ بالخبر الواحد الصحيح والقرآن متواتر وهو القائل حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فإن أصل الألوان البياض والسواد وما عداهما من الألوان فبرازخ بينهما تتولد من امتزاج البياض والسواد فتظهر الغبرة والحمرة والخضرة إلى غير ذلك من الألوان فما قرب للبياض كانت كمية البياض فيه أكثر من كمية السواد وكذلك في الطرف الآخر وجاءت السنة في حديث حذيفة بالحمرة دون البياض فقال هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع وهو محتمل والبياض المذكور في القرآن ليس بمحتمل فرجحنا الأبيض على الأحمر بوجهين قويين القرآن وعدم الاحتمال واعتبارهما حكم الايمان وهو الأبيض فإنه مخلص لله غير ممتزج والأحمر للنظر الاجتهادي وهو حكم العقل ونظر العقل ممتزج بالحس من طريق الخيال لأنه يأخذ عن الفكر عن الخيال عن الحس إما بما يعطيه وإما بما تعطيه القوة المصورة وهو قاطع مما يعطيه إلا أنه تدخل عليه الشبهة القادحة فلهذا أعطينا الشفق الأحمر لنظر المجتهد إذ الحمرة لون حدث من امتزاج البياض والسواد وهو امتزاج خاص وأما اعتبار التبين في قوله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم ولا يتبين حتى يكون الطلوع وإليه أذهب في الحكم فلم يحرم الأكل مع حصول الطلوع في نفس الأمر لكن ما حصل البيان عند الناظر كذلك الحق وإن كان في نفس الأمر هو الظاهر في المظاهر الإمكانية لكن لم يتبين ذلك لكل أحد وكما عفا الشارع عن الآكل في أكله وأباح له الأكل مع تحقق طلوع الفجر في نفس الأمر لكن ما تبين له كذلك ما وقع من العبد الذي لا يعرف أن الحق هو الظاهر في المظاهر الإمكانية بأفعاله وأسمائه لا يؤاخذ بها من جهل ذلك حتى يتبين له الحق في ذلك فيكون على بصيرة في قوله إذا أحببته كنت سمعه وبصره فكان العبد مظهر الحق وقد ثبت أن الله قال على لسان عبده في الصلاة سمع الله لمن حمده فنسب القول إليه واللسان للعبد الذي هو محل القول واللسان مظهرا مكاني وكما يحرم على المكلف الأكل عند تبين الفجر كذلك يحرم على صاحب الشهود أن يعتقد أن ثم في الوجود غير الله فاعلا بل ولا مشهودا إذ كان قد عم في الحديث القوي والجوارح وما ثم إلا هذان (وصل في فصل ما يمسك عنه الصائم) أجمعوا على أنه يجب على الصائم الإمساك عن المطعوم والمشروب والجماع وهذا القدر هو الذي ورد به نص الكتاب في قوله تعالى فالآن باشروهن وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر (وصل في الاعتبار في هذا) أما المطعوم فهو علم الذوق والشرب فالصائم على صفة لا مثل لها ومن اتصف بما لا مثل له فحكمه إن لا مثل له والذوق أول مبادي التجلي الإلهي فإذا دام فهو الشرب والذوق نسبة تحدث عند الذائق إذا طعم المذوق
(٦٠٨)