لا بحقيقته فكان طيبها نجسا وهو الدم وكان خبيثها نجسا وهو البول والرجيع وكان الأولى أن لا يكسبه خبث الروائح فإنه من عالم الأنفاس فكانت نجاسته من حيث طبيعته وكذلك هي من كل حيوان غير أن حقائق الحيوانات وأرواحها ليست في علو الشرف والمنزلة مثل حقيقة الإنسان فكانت زلته كبيرة فاتفقوا بلا خلاف على نجاسته من مثل هذا واختلفوا في سائر أبوال الحيوانات ورجيعها وإن كان الكل من الطبيعة فمن راعى الطبيعة قال بنجاسة الكل ومن راعى منزلة الشرف والانحطاط قال بنجاسة بول الإنسان ورجيعه ولم يعف عنه لعظم منزلته وعفا عمن هو دونه من الحيوانات فقد أبنت لك عن سبب الاتفاق والاختلاف والحمد لله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (باب في ميتة الحيوان الذي لا دم له وفي ميتة الحيوان البحري) اختلف العلماء في هاتين الميتتين فمن قائل إنها طاهرة وبه أقول ومن قائل بطهارة ميتة البحر ونجاسة ميتة البر التي لا دم لها إلا ما وقع الاتفاق على طهارتها لكونها ليست ميتة كدود الخل وما يتولد في المطعومات ومن قائل بنجاسة ميتة البر والبحر إلا ما لا دم له (وصل اعتباره في الباطن) قد أعلمناك فيما تقدم آنفا من هذه الطهارة اعتبار الدم فمن قائل بطهارة ميتة الحيوان الذي لآدم له فهو البراءة من الدعوى لأن الحياة المتولدة من الدم فيها تقع الدعوى لا في الحياة التي لجميع الموجودات التي يكون بها التسبيح لله بحمده فإن تلك الحياة طاهرة على الأصل لأنها عن الله من غير سبب يحجبها عن الله ومن قال بطهارة ميتة البحر وإن كان ذا دم فإنه في علم الله ولا حكم على الأشياء في علم الله وإنما تتعلق بها الأحكام إذا ظهرت في أعيانها وهو بروزها من العلم إلى الوجود الحسي وعلى مثل هذا تعتبر بقية ما اختلفوا فيه من ذلك في هذه المسألة انتهى الجزء الرابع والثلاثون (بسم الله الرحمن الرحيم) (باب الحكم في أجزاء ما اتفقوا عليه أنه ميتة) اختلف العلماء رضي الله عنهم في أجزاء ما اتفقوا عليه أنه ميتة مع اتفاقهم على إن اللحم من أجزاء الميتة ميتة وقد بينا اعتبار اللحم في لحم الخنزير واختلفوا في العظام والشعر فمن قائل إنهما ميتة ومن قائل إنهما ليستا بميتة وبه أقول ومن قائل إن العظم ميتة وأن الشعر ليس بميتة (وصل اعتبار الباطن في ذلك) لما كان الموت المعتبر في هذه المسألة هو الطارئ المزيل للحياة التي كانت في هذا المحل نظرنا إلى مسمى الحياة فمن جعل الحياة النمو قال إنهما ميتة ومن جعل الحياة الإحساس قال إنهما ليستا بميتة ومن فرق قال إن العظم يحس فهو ميتة والشعر لا يحس فليس بميتة فمن رأى نموه بالغذاء وحسه بالروح الحيواني فهما ميتة سواء عبر بالحياة عن النمو أو عن الحس ومن كان يرى نموه بربه لا بالغذاء وإدراكه المحسوسات بربه لا بالحواس لم يلتفت إلى الواسطة لفنائه بشهود الأصل الذي هو خالقه وإن رأى أن الحق سمعه وبصره وهو عين حسه لم يصح عنده أنه ميتة أصلا وسواء كانت الحياة عبارة عن النمو أو عن الحس (باب الانتفاع بجلود الميتة) فمن قائل بالانتفاع بها أصلا دبغت أم لم تدبغ ومن قائل بالفرق بين أن تدبغ وبين أن لا تدبغ وفي طهارتها خلاف فمن قائل إن الدباع مطهر لها ومن قائل إن الدباع لا يطهرها ولكن تستعمل في اليابسات ثم إن الذين ذهبوا إلى أن الدباع مطهر اتفقوا على أنه مطهر لما تعمل فيه الذكاة يعني المباح الأكل من الحيوان واختلفوا فيما لا تعمل فيه الذكاة فمن قائل إن الدباع لا يطهر إلا ما تعمل فيه الذكاة فقط وأن الدباع بدل من الذكاة في إفادة الطهارة ومن قائل إن الدباع يعمل في طهارة ميتات الحيوانات ما عدا الخنزير ومن قائل بأن الدباع يطهر جميع ميتات الحيوان الخنزير وغيره والذي أذهب إليه وأقول به إن الانتفاع جائز بجلود الميتات كلها وأن الدباع يطهرها كلها لا أحاشي شيئا من ميتات الحيوان (وصل الاعتبار في ذلك في الباطن) قد عرفناك مسمى الميتة فالانتفاع لا يحرم بجلدها وهو استعمال الظاهر فمن أخذ في الأحكام بالظاهر من غير تأويل ولا عدول عن ظاهر الحكم الذي يدل عليه اللفظ فلا مانع له من ذلك ولا حجة علينا لمن يقول بما يدل عليه
(٣٨٠)