من علم الكون الأعلى والأسفل ومن وهبه وجوده تكون معرفة النفس الأشياء ومن تجليه إليها ونوره وفيضه الأقدس فالعقل مستفيد من الحق تعالى مفيد للنفس والنفس مستفيدة من العقل وعنها يكون الفعل وهذا سار في جميع ما تعلق به علم العقل بالأشياء التي هي دونه وإنما قيدنا بالتي هي دونه من أجل ما ذكرناه من الإفادة وتحفظ في نظرك من قوله تعالى حتى نعلم وهو العالم فاعرف السبب واعلم أن العالم المهيم لا يستفيد من العقل الأول شيئا وليس له على المهيمين سلطان بل هم وإياه في مرتبة واحدة كالأفراد منا الخارجين عن حكم القطب وإن كان القطب واحدا من الأفراد لكن خصص العقل بالإفادة كما خصص القطب من بين الأفراد بالتولية وهو سار في جميع ما تعلق به علم العقل إلا علم تجريد التوحيد خاصة فإنه يخالف سائر المعلومات من جميع الوجوه إذ لا مناسبة بين الله تعالى وبين خلقه البتة وإن أطلقت المناسبة يوما ما عليه كما أطلقها الإمام أبو حامد الغزالي في كتبه وغيره فبضرب من التكلف ومرمى بعيد عن الحقائق وإلا فأي نسبة بين المحدث والقديم أم كيف يشبه من لا يقبل المثل من يقبل المثل هذا محال كما قال أبو العباس بن العريف الصنهاجي في محاسن المجالس التي تعزى إليه ليس بينه وبين العباد نسب إلا العناية ولا سبب إلا الحكم ولا وقت غير الأزل وما بقي فعمي وتلبيس وفي رواية فعلم بدل من قوله فعمي فانظر ما أحسن هذا الكلام وما أتم هذه المعرفة بالله وما أقدس هذه المشاهدة نفعه الله بما قال فالعلم بالله عزيز عن إدراك العقل والنفس إلا من حيث إنه موجود تعالى وتقدس وكل ما يتلفظ به في حق المخلوقات أو يتوهم في المركبات وغيرها فالله سبحانه في نظر العقل السليم من حيث فكره وعصمته بخلاف ذلك لا يجوز عليه ذلك التوهم ولا يجري عليه ذلك اللفظ عقلا من الوجه الذي تقبله المخلوقات فإن أطلق عليه فعلى وجه التقريب على الأفهام لثبوت الوجود عند السامع لا لثبوت الحقيقة التي هو الحق عليها فإن الله تعالى يقول ليس كمثله شئ ولكن يجب علينا شرعا من أجل قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه لا إله إلا الله يقول اعلم من إخباري الموافق لنظرك ليصح لك الايمان علما كما صح لك العلم من غير إيمان الذي هو قبل التعريف فأمره فمن أجل هذا الأمر على نظر بعض الناس ورأيه فيه نظرنا من أين نتوصل إلى معرفته فنظرنا على حكم الإنصاف وما أعطاه العقل الكامل بعد جده واجتهاده الممكن منه فلم نصل إلى المعرفة به سبحانه إلا بالعجز عن معرفته لأنا طلبنا أن نعرفه كما نطلب معرفة الأشياء كلها من جهة الحقيقة التي هي المعلومات عليها فلما عرفنا إن ثم موجودا ليس له مثل ولا يتصور في الذهن ولا يدرك فكيف يضبطه العقل هذا ما لا يجوز مع ثبوت العلم بوجوده فنحن نعلم أنه موجود واحد في ألوهته وهذا هو العلم الذي طلب منا غير عالمين بحقيقة ذاته التي يعرف سبحانه نفسه عليها وهو العلم بعدم العلم الذي طلب منا لما كان تعالى لا يشبه شيئا من المخلوقات في نظر العقل ولا يشبهه شئ منها كان الواجب علينا أولا لما قيل لنا فاعلموا أنه لا إله إلا الله إن نعلم ما العلم وقد علمنا فقد علمنا ما يجب علينا من علم العلم أولا انتهى الجزء الثامن والحمد لله (بسم الله الرحمن الرحيم) فلنقل إنه لما كانت أمهات المطالب أربعة وهي هل وما وكيف ولم فهل ولم مطلبان روحانيان بسيطان يصحبهما ما هو فهل ولم هما الأصلان الصحيحان للبسائط لأن في ما هو ضرب من التركيب خاصة وليس في هذه المطالب الأربعة مطلب ينبغي أن يسأل به عن الله تعالى من جهة ما تعطيه الحقيقة إذ لا يصح أن يعرف من علم التوحيد إلا نفي ما يوجد فيما سواه سبحانه ولهذا قال ليس كمثله شئ وسبحان ربك رب العزة عما يصفون فالعلم بالسلب هو العلم بالله سبحانه كما لم يجز أن نقول في الأرواح كيف وتقدست عن ذلك لأن حقائقها تخالف هذه العبارة كذلك ما ينطلق على الأرواح من الأدوات التي بها يسأل عنها لا يجوز أن يطلق على الله تعالى ولا ينبغي للمحقق الموحد الذي يحترم حضرة مبدعة ومخترعه أن يطلق عليه هذه الألفاظ فاذن لا يعلم بهذه المطالب أبدا (وصل) ثم إنا نظرنا أيضا في جميع ما سوى الحق تعالى فوجدناه على قسمين قسم يدرك بذاته وهو المحسوس والكثيف وقسم يدرك بفعله وهو المعقول واللطيف فارتفع المعقول عن المحسوس بهذه المنزلة وهي التنزه أن تدرك بذاته وإنما يدرك بفعله ولما كانت هذه أوصاف المخلوقين
(٩٣)