ولما نسب الله العرش إلى نفسه وجعله محل الاستواء الرحماني فقال الرحمن على العرش استوى جعل الملائكة حافين به من حول العرش بمنزلة الحرس حرس الملك والملازمين بابه لتنفيذ أوامره وجعل الله الكعبة بيته ونصب الطائفين به على ذلك الأسلوب وتميز البيت على العرش وعلى الضراح وسائر البيوت الأربعة عشر بأمر ما نقل إلينا إنه في العرش ولا في غير هذا من البيوت وهو الحجر الأسود يمين الله في الأرض لنبايعه في كل شوط مبايعة رضوان وبشرى بقبول لما كان منافي كل شوط مما هو لنا أو علينا فما لنا فقبول وما علينا فغفران فإني رأيت في واقعة والناس به طائفون وشرر النار يتطاير من أفواههم فأولته كلام الطائفين في الطواف به بما لا ينبغي فإذا انتهينا إلى اليمين الذي هو الحجر استشعرنا من الله سبحانه بالقبول فبايعناه وقبلنا يمينه المضافة إليه قبلة قبول فرح واستبشار هكذا في كل شوط فإن كثر الازدحام عليه لتجليها في صورة محسوسة محصورة أشرنا إليه أعلاما بأنا نريد تقبيله وأعلاما بعجزنا عن الوصول إليه ولا نقف ننتظر النوبة حتى تصل إلينا فنقبله لأنه لو أراد ذلك منا ما شرع لنا الإشارة إليه إذا لم نقدر عليه فعلمنا أنه يريد منا اتصال المشي في السبعة الأشواط من غير أن يتخللها وقوف إلا قدر التقبيل في مرورنا إذا وجدنا السبيل إليه ونحن نعلم أن يمين الله مطلقة ونحن في قبضتها وما بيننا وبينها حجاب ولكن لما ظهرت في مظهر عين محصورة يعبر عنها بالحجر قيدها استعداد هذه العين المسماة حجر النسبة ظهور اليمين بها فأثرت الضيق والحصر مع أنها يمين الله لا شك ولكن على الوجه الذي يعلمه سبحانه من ذلك فصح النسب ومن هنا يعرف قولنا إنه ما في الوجود إلا الله والأعيان الإمكانية على أصلها من العدم متميزة لله في أعيانها على حقائقها وأن الحق هو الظاهر فيها من غير ظرفية معقولة فيظهر بصورة تلك العين لو صح أن توجد لكانت بهذه الصورة في الحس فانظر ما أعجب أمر الوجود فعين المستفيد للوجود عين المفيد فإن كانت الاستفادة غير الوجود وهي الصورة فالمستفيد الظاهر والمفيد العين لأن الصورة التي ظهر بها الظاهر هي صورة عين المظهر حقيقة فكل حكم ينسب إلى الظاهر إنما هو منها وأفادها الظاهر بظهوره حكم التأثير فيه إذ لم يكن لها ذلك الحكم إذ كانت ولا تجل في صورتها ولا ظهور وإنما بينا لك ذلك لتعرف من هو الطائف والمطوف به والحجر والمقبل فتكون بحسب ما علمت من ذلك فعلمك عين صورتك وفيها تحشر روحك يوم القيامة وبذلك يتميز في الزور الأعظم فلا يفوتنك علم ما نبهتك عليه والسلام (وصل في فصل حكم الرمل في الطواف) فقول بأنه سنة فأوجب فيه على من تركه الدم وقول بأنه فضيلة فلا يجب في تركه شئ وأعني في طواف القدوم الرمل إسراع في نفس الخير إلى الخير فهو خير في خير وذلك لحكمة استعجال إدراك علم الأمر الإلهي فإن الله تعالى يقول وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر فإن البصر لا شئ أسرع منه فإن زمان لمحة عين زمان تعلقه بالملموح ولو كان في البعد ما كان وأبعد الأشياء في الحس الكواكب الثابتة التي في فلك المنازل وعند ما تنظر إليها يتعلق اللمح بها فهذه سرعة الحس فما ظنك بالمعاني المجردة عن التقييد في سرعة نفوذها فإن للسرعة حكما في الأشياء لا يكون لغير السرعة ومن هنا يعرف قول الحق للشئ كن فيكون فحال كن الإلهية حال المكون المخلوق ولهذا أسرع ما يكون من الحروف في ذلك فاء التعقيب فلهذا جاء بها في جواب الأمر فإن أردت أن تعرف صورة نش ء العالم وظهوره وسرعة نفوذ الأمر الإلهي فيه وما أدركت الأبصار والبصائر منه فانظر إلى ما يحدث في الهواء من سرعة الحركة بجمرة النار في يد المحرك لها إذا أرادها فتحدث في عين الرائي دائرة أو خطا مستطيلا إن أخذ بالحركة طولا أو أي شكل شاء ولا تشك أنك أبصرت دائرة نار ولا تشك أن ما ثم دائرة وإنما أنشأ ذلك في نظرك سرعة الحركة وهو قوله وما أمرنا وهو قوله كن إلا واحدة كالجمرة كلمح بالبصر إدراك الدائرة وما هي دائرة فذلك عين الصورة المخلوقة الظاهرة لإدراك العين فتحكم من حيث نظرك ببصرك وبصيرتك وفكرك إنه خلق وبعلمك وكشفك أنه حق مخلوق به ما ظهر لعينك مما ليس هو فهذا عدم في عين وجود فانظر ما ألطف هذا الإدراك مع كون الحس محلا لظهوره على تقييده وكثافته وقصوره فما ظنك بما هو الأمر عليه بالنسبة إلى جناب الحق فسبحان من يكلم نفسه بنفسه في أعيان خلقه كما
(٧٠٢)