الطهارة فإن الشرع لم يعتبر الشك في هذا الموضع وبه أقول ومن قائل بالفرق بين النوم القليل الخفيف كالسنة فلم يوجب منه وضوء وبين الكثير المستثقل فأوجب منه الوضوء (وصل حكمه في الباطن) اعلم أن القلب له حالة غفلة فذلك النوم القليل وحالة موت ونوم عن التيقظ والانتباه لما كلفه الله به من النظر والاستدلال والذكر والتذكر وهاتان الحالتان مزيلتان طهارة القلب التي هي العلم بالله ولنا في ذلك ما ينبه الغافل والسالك يا نائما كم ذا الرقاد * وأنت تدعى فانتبه كان الإله يقوم عنك * بما دعا لو نمت به لكن قلبك غافل * عما دعاك ومنتبه في عالم الكون الذي * يرديك مهمامت به فانظر لنفسك قبل * سيرك إن زادك مشتبه (باب الحكم في لمس النساء) اختلف علماء الشريعة في لمس النساء باليد أو بغير ذلك من الأعضاء الحساسة فمن قائل إنه من لمس امرأته دون حجاب أو قبلها على غير حجاب فعليه الوضوء سواء التذا ولم يلتذ واختلف قول صاحب هذا المذهب في الملموس فمرة سوى بينهما في إيجاب الوضوء ومرة فرق بينهما وفرق أيضا صاحب هذا القول بين أن يلمس ذوات المحارم والزوجة ومن قائل بإيجاب الوضوء من اللمس إذا قارنته اللذة وعند أصحاب هذا القول تفصيل كثير ومن قائل بأن لمس النساء لا ينقض الوضوء وبه أقول والاحتياط أن يتوضأ للخلاف الذي في هذه المسألة اللامس والملموس (وصل حكم اللمس في الباطن) فأما حكم اللمس في القلب فالنساء عبارة وكناية عن الشهوات فإذا لمست الشهوة القلب ولمسها والتبس بها والتبست به وحالت بينه وبين ما يجب عليه من مراقبة الله فيها فقد انتقض وضوؤه وإن لم تحل بينه وبين مراقبة الله فيها فهو على طهارته فإن طهارة القلب الحضور مع الله ولا يبالي في متعلق الشهوة من حرام أو حلال إذا اعتقد التحريم في الحرام والتحليل في الحلال فلا تؤثر في طهارته فإذا اعتقد التحريم في الحلال المنصوص عليه بالحل أو التحليل المنصوص عليه بالتحريم من أجل الشهوة بالنظر إلى الرجوع في ذلك إلى قول إمام يرى ذلك مع علمه إن الشارع قرر حكم المجتهد وقرر قبول عمل القلب له إذا عمل به وقد كان قبل الشهوة يعرف ذلك القول ولا يعمل عليه ولا يقول به وإنما رجع إليه بسبب لمس الشهوة قلبه فمثل هذا تؤثر في طهارته فعليه الوضوء بلا خلاف عند أهل القلوب وأما في الظاهر فلنا في هذه المسألة نظر وقد تصدعنا فيها مع علماء الرسوم (باب في لمس الذكر) اختلف العلماء فيه على ثلاثة مذاهب فمن قائل لا وضوء عليه وبه أقول والاحتياط الوضوء في كل مسألة مختلف فيها فإن الاحتياط النزوح إلى موطن الإجماع والاتفاق مهما قدر على ذلك ومن قائل فيه الوضوء وقوم فرقوا بين مسه بحال لذة أو باطن اليد وبين من مسه بظاهر كفه ولغير لذة وفصلوا في ذلك (وصل حكم ذلك في الباطن) اعلم أن الله ما جعل سبب إيجاد الكائنات الممكنات سبحانه وتعالى إلا الإرادة والأمر الإلهي ولأجل هذا أخذ من أخذ الإرادة في حد الأمر قال الله تعالى إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فأتى في الإرادة والأمر ولم يذكر معنى ثالثا يسمى القدرة فيخرج قوله والله على كل شئ قدير على أنه عين قوله للأشياء كن إذا أراد تكوينها ولا شك أن اليد محل القدرة ولما كان النكاح سبب ظهور المولدات فمن نسب القدرة إليه في إيجاد العين الممكنة التي ظهرت وهو مس الذكر باليد فلا يخلوا ما أن يغفل عن الاقتدار الإلهي في قول كن أو لا يغفل فإن غفل انتقضت طهارته حيث نسب وجود الولد للنكاح وإن لم يغفل بقي على طهارته (باب الوضوء مما مست النار) اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء مما مست النار وما عدا الصدر الأول فلم يختلفوا في إن ذلك
(٣٥٥)