سجود الوجه كالحياة ولما كانت الحياة تقتضي الشرف والعزة لنفسها على سائر الصفات والأسماء لكون هذه الصفات في وجودها مشروطة بوجود الحياة وكانت العزة والحياة مرتبطتين كالشئ الواحد مثل ارتباط الجبهة والأنف في كونهما عظما واحدا وإن كانت الصورة مختلفة فمن قال إن المقصود الوجه وأدنى ما ينطلق عليه اسم الوجه يقع به الاجتزاء أجاز السجود على الأنف دون الجبهة وعلى الجبهة دون الأنف كالذي يرى أن الذات هي المطلوبة الجامعة ومن نظر إلى صورة الأنف وصورة الجبهة ونظر إلى الأولى باسم الوجه فغلب الجبهة وإن الأنف وإن كان مع الجبهة عظما واحدا لم يجز السجود على الأنف دون الجبهة لأنه ليس بعظم خالص بل هو للعضلية أقرب منه إلى العظمية فتميز عن الجبهة فكانت الجبهة المعتبرة في السجود كذلك الحياة هي المعتبرة في الصفات وإن العزة وإن كانت لها بالإحاطة فإن العلم له الإحاطة أيضا فاشتركا فلم ير للعزة أثرا في هذا الأمر ومن قال لا بد أن يكون وجه الحق منيع الحمى عزيزا لا يغالب قال بالسجود على الجبهة والأنف معا ولما كان الأنف في الحس محل التنفس والتنفس هو الحياة الحيوانية كانت نسبته إلى الحياة أقرب النسب وبوجود هذه السبعة ثم نظام العالم وكان مألوها مربوبا ولم يبق في الإمكان حقيقة إمكانية تطلب أمرا زائدا على هذه السبعة فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنه ليس في الوجود أكمل من الحق وكماله في ألوهته بهذه الصفات المنسوبة إليه سبحانه فلو انعدمت صفة واحدة من هذه الصفة أو نسبة لم تصح المرتبة التي أوجدت العالم ولم يكن للعالم وجود وقد وجد فالمرتبة موجودة فالكمال حاصل والارتباط معقول ولو ارتفع السبب لارتفع المسبب ولو زال المسبب من العقل لم يجد السبب من يظهر فيه أثره فيزول كونه سببا وكونه سببا إنما هو لذاته فينعدم السبب لانعدام المسبب من كونه سببا لا غير لا من حيث العين المنسوب إليها السببية فإن الله غني عن العالمين من ذاته وكلامنا إنما هو من كونه إلها فكلامنا في المرتبة لا في العين كما نتكلم في السلطان من كونه سلطانا لا من كونه إنسانا ولا فائدة في الكلام إلا في حقائق المراتب لأن بها يعقل التفاضل بين الأعيان يقول أبو طالب المكي رحمه الله إن الأفلاك تدور بأنفاس العالم وإذا أعطى الأمر ما في قوته بحيث لا يبقى عنده شئ يعطيه هلك من كونه معطيا والمعتبر في بقاء العالم إنما هو عين جوهره الذي أظهرت كونه صورة ما فالصور لا يلزم من انعدام شئ منها انعدام العالم من حيث جوهريته إلا أن لا تكون الصورة أصلا فيعدم العالم من حيث جوهره لانعدام جميع الصور ويتعلق بهذا الباب مسائل من الإلهيات كثيرة (فصل بل وصل في الإقعاء) أريد أن أعطى أصلا في هذه المسألة يسرى في جميع مسائل الشرع فنقول إن الشارع إذا أتى بلفظ ما فإنه يحمل ذلك اللفظ على ما هو المفهوم منه بالمصطلح عليه في لغة العرب إلى أن يخصص الشارع ذلك اللفظ بوصف خاص يخرجه بذلك الوصف عن مفهوم اللسان المصطلح عليه فإذا عين الشارع ما أراده بذلك اللفظ صار ذلك الوصف بذلك اللفظ أصلا فمتى ورد اللفظ به من الشارع فإنه يحمل على المفهوم منه في الشرع حتى يدل دليل آخر من الشرع أو من قرائن الأحوال أنه يريد بذلك اللفظ المفهوم منه في اللغة أو أمرا آخر بعينه أيضا هذا مطرد في جميع ما يتلفظ به الشارع ومثاله لفظة الوضوء والصلاة والصيام والحج والزكاة وأمثال هذا ثم نرجع إلى ما نحن بسبيله فأقول إن الإقعاء المفهوم منه في اللغة إقعاء الكلب والقرد وصفته أن يجلس الرجل على أليتيه يفضي بهما إلى الأرض في الصلاة ناصبا فخذيه فهذه صفة الإقعاء إقعاء الكلب والسبع ولا خلاف أذكر بين العلماء أن هذه الهيئة ليست من صفات الصلاة وقد ورد النهي عن الإقعاء في الصلاة فنحن نحمله على الإقعاء المعروف في اللسان فإن خصصه الشرع بهيئة مخصوصة تخرجه عن المفهوم منه في اللسان منطوق بها وقفنا عندها ونعلم أن تلك الهيئة هي التي نهي عنها فقالت طائفة إن الإقعاء المنهي عنه هو أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين وأن يجلس على صدور قدميه وروى عن ابن عمر أنه كان يفعل ذلك لأنه كان يشتكي قدميه والثابت عن ابن عمر أن قعود الرجل على صدور قدميه ليس من سنة الصلاة وكان ابن عباس يقول الإقعاء على القدمين في السجود على هذه الصفة هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم (الاعتبار في ذلك) هيأة الإقعاء هيأة المستوفز المحتفز وهكذا ينبغي أن يكون العبد مع الله في أحواله ولهذا قال ابن عباس الإقعاء سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فإن العبد ينبغي
(٤٤١)