والشر والوعيد في الشر خاصة فالوعد في الخير من الله لا بد منه والوعيد قد يعفو ويتجاوز فإنه من صفة الكريم عند العرب ومما يمدح به الأعراب سادتها وكبراءها يقول شاعرهم وإني إذا وعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي ويخرون للأذقان يبكون على ما فرط منهم مما لا يستدركونه ولو عفي عنه فالكتابة على المحو ما تقوم في الصفا كالكتابة على غير المحو ويزيدهم خشوعا أي ذلة والخشوع لا يكون أبدا من الخاشع إلا عن تجل ولا بد إما على الظاهر وإما على الباطن أو عليهما معا فهذه السجدة سجدة زيادة في الخشوع والخشوع كما قلنا لا يكون إلا عن تجل إلهي فزيادة الخشوع دليل على زيادة التجلي فهذا يسمى سجود التجلي فافهم (وصل السجدة الخامسة) وهي سجود الإنعام العالم الرحماني عن الدلالات وهي في سورة مريم عند قوله إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا وهي سجدة النبيين المنعم عليهم فهذا بكاء فرح وسرور وآيات قبول ورضي فإن الله قرن هذا السجود بآيات الرحمن والرحمة لا تقتضي القهر والعظمة وإنما تقتضي اللطف والعطف الإلهي فدمعت عيونهم فرحا بما بشرهم الله من هذه الآيات فالصورة صورة بكاء لجريان الدموع والدموع دموع فرح لا دموع ترح وكمد وحزن لأن مقام الاسم الرحمن لا يقتضيه وفي هذه السورة في قوله يوم نحشر المتقين إلى الرحمن فرح أبو يزيد وطار الدم من عينيه حتى ضرب المنبر وقال يا عجبا كيف يحشر إليه من هو جليسه فإن الله يقول أنا جليس من ذكرني والمتقي ذاكر لله ذكر حذر فلما حشر إلى الرحمن وهو مقام الأمان مما كان فيه من الحذر فرح بذلك واستبشر وكان دمع أبي يزيد دمع فرح كيف حشر منه إليه حين حشر غيره إلى الحجاب وأما قوله في هذه السورة عن إبراهيم الخليل في قوله إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فقرن العذاب بالاسم الرحمن ولا يقتضيه هنا في الظاهر فاعلم أنه أشار له إلى الاسم الذي هو أبوه معه في الحال فإنه مع الرحمن بلا شك لحصول العافية والخير والرزق والصحة الذي هو فيه وعليه والمعنى الآخر في مساق هذا الاسم مع العذاب مثل رحمة الطبيب بصاحب الأكلة فهو يعذبه في الوقت بقطع العضو الذي فيه الأكلة رحمة به حتى يحيا ومن رحمته نصب الحدود في الدنيا لتكون لهم طهارة إلى الأخرى وهكذا في كل داران نظرت بعين التحقيق فاعلم ذلك فمن سجد هذه السجدة ولم ير النعيم في العذاب فما سجدها كما قال القائل أريدك لا أريدك للثواب * ولكني أريدك للعقاب وكل مآربي قد نلت منها * سوى ملذوذ وجدي بالعذاب وأما رابعة العدوية فضرب رأسها ركن جدار فأدماه فقيل ما تحسين بالألم فقالت شغلي بموافقة مراده فيما جرى شغلني عن الإحساس بما ترون من شاهد الحالة (وصل السجدة السادسة) وهي سجود المعادن والنبات سجود المشيئة والحيوان وبعض البشر وعمار الأفلاك والأركان سجود مشاهدة واعتبار قال الله تعالى ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء فذكر سبحانه كل شئ في هذه الآية ولم يبعض إلا الناس فإنه قال وكثير من الناس وجعل ذلك من مشيئته فيبادر العبد بالسجود في هذه الآية ليكون من الكثير الذي يسجد لله لا من الكثير الذي حق عليه العذاب فإذا رأى هذا العبد إن الله تعالى قد وفقه للسجود ولم يحل بينه وبين السجود علم أنه من أهل العناية الذين التحقوا بمن لم يبعض سجودهم ممن في السماوات ومن في الأرض والشمس في غروبها والقمر في محاقه والنجوم في مواقعها والجبال في إسكانها والشجر في إقامتها على سوقها والدواب في تسخيرها وبعض الناس ممن له الشهود فمن سجد هذه السجدة من أهل الله ولم يشهد كل عالم فيه ممن ذكر ويشهد سجود بعضه من كله ومن بقي منه ولم يسجد فما سجدها (وصل السجدة السابعة) وهي سجدة الفلاح والايمان عن خضوع وذلة وافتقار وهي في آخر الحج في قوله يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون فهذا سجود الفلاح وهو البقاء والفوز والنجاة فكان فعل الخير بمبادرته للسجود عند ما سمع
(٥١١)