على العلم فقال آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وقد ورد أن الله يقول لعبده ادعني بلسان لم تعصني به وهو لسان أمثالي من العصاة فكيف بلسان الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فالجهر بالقراءة فيها أولى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر بالقرآن فيها أعني في صلاة الاستسقاء (وصل اعتبار تحويل الرداء) إشارة إلى تحويل الحال الذي أخرجهم من الجدب إلى الخصب ومن حال شظف العيش إلى رغده فإن ذلك من الفال الحسن كما تحول أهل هذا المصر في خروجهم إلى الاستسقاء من حال البطر والأشر وكفران النعم إلى حال التوبة والافتقار وإظهار الفاقة والمسكنة فطلبوا التحويل بالتحويل ولسان الأفعال أفصح من لسان الأقوال فإنهم القائلون بذلك الفعل أي ربنا إنا هدنا إليك ورجعنا عما كنا عليه من مخالفتك فإن التنعم بالنعم وما كنا فيه من الخصب على جهة البطر أوجب لنا الجدب والقحط ونرجو بكرمك إن توجب لنا الافتقار والذلة والمسكنة والخشوع والخصب فإن الشئ لا يقابل إلا بضده حتى ينتجه فإن قلت فقوله تعالى ولئن شكرتم لأزيدنكم قلنا الشاكر في حال شكره هو عين فقره إلى ما ليس عنده وهو الزيادة التي تزاد له على النعمة التي يكون فيها وهي نعمة باطنة وهي توبته التي أعطاه الله في باطنه وظاهره وهي نعمة توجب الشكر والشكر يطلب المزيد فتعمه النعمة ظاهرا بنزول المطر وباطنا بالحمد على ما أنعم الله به عليهم شكر لنعمة ربي نعمة أخرى * منه علي لهذا يطلب الشكرا فقير إليه وما عندي سوى نعم * من الإله بها إرساله تترى هو الغني وفقري منة ظهرت * منه علي فنلت الزهو والفخرا بالفقر فخري وبالفاقات سلطنتي * على الوجود فلا أدري ولا أدري أ لا ترى التاجر رب المال الغزير والخير الكثير الذي لو قسم ما له عليه وعلى أهله وأولاده وأتباعه طول أعمارهم لكفاهم وفضل عنهم ومع هذا يخاطر بما له ونفسه في ركوب البحار والسبل المخوفة في طلب زيادة درهم فما أخرجه عن أهله وهون عليه مفارقة وطنه وولده ودعته وأحوجه إلى ركوب هذه الأخطار إلا فقره وتوهمه تحصيل هذا الدرهم الزائد على ما عنده وربما تلفت نفسه وماله بغرق أو قطاع طريق أو أسر المحقق عنده الحاصل في أمر متوهم يمكن أن يحصل ويمكن أن لا يحصل فإذا أراد من هذه حالته من التجار وتخرجه فاقته ولا بد له من السفر فليحول نيته إلى نية أخرى فينظر إلى الجهة التي يقصدها في سفره ويعلم أن الله قد سخر عباده في قضاء حوائج بعضهم لبعض فيقول إن البلد الفلاني يحتاجون إلى كذا وكذا ويذكر السلع التي يطلبها أهل ذلك البلد يا رب فإن قعدت أنا وغيري ولم أحمل إليهم هذا الذي يحتاجون إليه كلفناهم التعب ومفارقة الأولاد بالوصول إلينا لتحصيل ما يحتاجون إليه فنحن نؤثر تعبنا على تعبهم ونحمل إليهم ما يحتاجون إليه ويكون ما يكسبه من زيادة الدرهم تبعا لهذه النية هكذا يكون متجر الموفقين الصادقين الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم في الحديث الصحيح التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء فانظر ما أحسن هذه النسبة بهذا التنبيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم السلام جاءوا من عند الله إلى عباد الله بما يحتاجون إليه مما فيه سعادتهم فأجروا على ذلك الأجر التام وهذا حال التاجر لمن عقل يقول تعالى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم مع حصول المشقة في ذلك من مفارقة الأهل في دخوله في الايمان دونهم ومفارقة الوطن بالهجرة إلى دار الإسلام فانظر ما أعجب كلام النبوة وهذا كله من تحويل الحالات لهذا يحول رداءه من يستسقي ومن لم يوفق إلى هذا النظر الذي له فيه الأجر التام والمعرفة الصحيحة أخرجه ما يخرج الناس اليوم وهو الفقر الذي قام به لطلب تلك الزيادة المتوهمة التي يمكن أن تحصل ويمكن أن لا تحصل مع كثرة المال الذي يقع له به الغني لو استغنى فلما لم يكن عنده غنى في نفسه بما عنده وقام به الخوف على ماله والفقر إلى الزيادة خاطر بنفسه وماله وعمي عن علمه بأن المسافر وماله على قلة فأزعجه هذا الفقر المتوهم وحال بينه وبين أهله وولده وأحبابه وهو على غاية من السرور والفرح بذلك السفر لتوهمه حصول الأرباح فحال الشاكر وفقره إلى طلب الزيادة
(٥٠٥)