يذهب وتبقي حياة الحرف معه فإن الشكل لا يدبره سوى روح واحد وينتقل روح ذلك الحرف الواحد إلى البرزخ مع الأرواح فإن موت الشكل زواله بالمحو وهذا الشكل الآخر المركب من حرفين أو ثلاثة أو ما كان ليس هو عين الحرف الأول الذي لم يكن مركبا إن عمرا ليس هو عين زيد وإن كان مثله وأما الحروف اللفظية فإنها تتشكل في الهواء ولهذا تتصل بالسمع على صورة ما نطق بها المتكلم فإذا تشكلت في الهواء قامت بها أرواحها وهذه الحروف لا يزال الهواء يمسك عليها شكلها وإن انقضى عملها فإن عملها إنما يكون في أول ما تتشكل في الهواء ثم بعد ذلك تلتحق بسائر الأمم فيكون شغلها تسبيح ربها وتصعد علوا إليه يصعد الكلم الطيب وهو عين شكل الكلمة من حيث ما هي شكل مسبح لله تعالى ولو كانت كلمة كفر فإن ذلك يعود وباله على المتكلم بها لا عليها ولهذا قال الشارع إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما لا يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين خريفا فجعل العقوبة للمتلفظ بها بسببها وما تعرض إليها فهذا كلام الله سبحانه يعظم ويمجد ويقدس المكتوب في المصاحف ويقرأ على جهة القربة إلى الله وفيه جميع ما قالت اليهود والنصارى في حق الله من الكفر والسب وهي كلمات كفر عاد وبالها على قائلها وبقيت الكلمات على بابها تتولى يوم القيامة عذاب أصحابها أو نعيمهم وهذه الحروف الهوائية اللفظية لا يدركها موت بعد وجودها بخلاف الحروف الرقمية وذلك لأن شكل الحرف الرقمي والكلمة الرقمية تقبل التغيير والزوال لأنه في محل يقبل ذلك والأشكال اللفظية في محل لا يقبل ذلك ولهذا كان لها البقاء فالجو كله مملوء من كلام العالم يراه صاحب الكشف صورا قائمة وأما الحروف المستحضرة فإنها باقية إذ كان وجود أشكالها في البرزخ لا في الحس وفعلها أقوى من فعل سائر الحروف ولكن إذا استحكم سلطان استحضارها واتحد المستحضر لها ولم يبق فيه متسع لغيرها ويعلم ما هي خاصيتها حتى يستحضرها من أجل ذلك فيرى أثرها فهذا شبيه الفعل بالهمة وإن لم يعلم ما تعطيه فإنه يقع الفعل في الوجود ولا علم له به وكذلك سائر أشكال الحروف في كل مرتبة وهذا الفعل بالحرف المستحضر يعبر عنه بعض من لا علم له بالهمة وبالصدق وليس كذلك وإن كانت الهمة روحا للحرف المستحضر لا عين الشكل المستحضر وهذه الحضرة تعم الحروف كلها لفظيها ورقميها فإذا علمت خواص الأشكال وقع الفعل بها علما لكاتبها أو المتلفظ بها وإن لم يعين ما هي مرتبطة به من الانفعالات لا يعلم ذلك وقد أينا من قرأ آية من القرآن وما عنده خبر فرأى أثرا غريبا حدث وكان ذا فطنة فرجع في تلاوته من قريب لينظر ذلك الأثر بأية آية يختص فجعل يقرأ وينظر فمر بالآية التي لها ذلك الأثر فرأى الفعل فتعداها فلم ير ذلك الأثر فعاود ذلك مرارا حتى تحققه فاتخذها لذلك الانفعال ورجع كلما أراد أن يرى ذلك الانفعال تلا تلك الآية فظهر له ذلك الأثر وهو علم شريف في نفسه إلا أن السلامة منه عزيزة فالأولى ترك طلبه فإنه من العلم الذي اختص الله به أولياءه على الجملة وإن كان عند بعض الناس منه قليل ولكن من غير الطريق الذي يناله الصالحون ولهذا يشقى به من هو عنده ولا يسعد فالله يجعلنا من العلماء بالله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السابع والعشرون في معرفة أقطاب صل فقد نويت وصالك وهو من منزل العالم النوراني) ولولا النور ما اتصلت عيون * بعين المبصرات ولا رأتها ولولا الحق ما اتصلت عقول * بأعيان الأمور فأدركتها إذا سألت عقول عن ذوات * تعد مغايرات أنكرتها وقالت ما علمنا غير ذات * تمد ذوات خلق أظهرتها هي المعنى ونحن لها حروف * فمهما عينت أمرا عنتها اعلم أيها الولي الحميم تولاك الله بعنايته إن الله تعالى يقول في كتابه العزيز فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فقدم محبته إياهم على محبتهم إياه وقال أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي فقدم إجابته لنا إذا دعوناه على إجابتنا له إذا دعانا وجعل الاستجابة من العبيد لأنها أبلغ من الإجابة فإنه لا مانع له من الإجابة سبحانه فلا فائدة للتأكيد وللإنسان موانع من الإجابة لما دعاه الله إليه وهي الهوى والنفس والشيطان والدنيا فلذلك أمر بالاستجابة
(١٩١)