الله وزكاة النفوس بوجه أبينه لك إن شاء الله أيضا على الأصل الذي ذكرناه أن الزكاة حق الله في المال والنفس ما هو حق لرب المال والنفس فنظرنا في النفس ما هو لها فلا تكليف عليها فيه بزكاة وما هو حق الله فتلك الزكاة فيعطيه لله من هذه النفس لتكون من المفلحين بقوله قد أفلح من زكاها ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون فإذا نظرنا إلى عين النفس من حيث عينها قلنا ممكنة لذاتها لا زكاة عليها في ذلك فإن الله لا حق له في الإمكان يتعالى الله علوا كبيرا فإنه تعالى واجب الوجود لذاته غير ممكن بوجه من الوجوه ووجدنا هذه النفس قد اتصفت بالوجود قلنا هذا الوجود الذي اتصفت به النفس هل اتصفت به لذاتها أم لا فرأينا إن وجودها ما هو عين ذاتها ولا اتصفت به لذاتها فنظرنا لمن هو فوجدناه لله كما وجدنا القدر المعين في مال زيد المسمى زكاة ليس هو بمال لزيد وإنما هو أمانة عنده كذلك الوجود الذي اتصفت به النفس ما هو لها إنما هو لله الذي أوجدها فالوجود لله لا لها ووجود الله لا وجودها فقلنا لهذه النفس هذا الوجود الذي أنت متصفة به ما هو لك وإنما هو لله خلعه عليك فأخرجه لله وأضفه إلى صاحبه وابق أنت على إمكانك لا تبرح فيه فإنه لا ينقصك شئ مما هو لك وأنت إذا فعلت هذا كان لك من الثواب عند الله ثواب العلماء بالله ونلت منزلة لا يقدر قدرها إلا الله وهو الفلاح الذي هو البقاء فيبقى الله هذا الوجود لك لا يأخذه منك أبدا فهذا معنى قوله قد أفلح من زكاها أي قد أبقاها موجودة من زكاها وجود فوز من الشر أي من علم إن وجوده لله أبقى الله عليه هذه الخلعة يتزين بها منعما دائما وهو بقاء خاص ببقاء الله فإن الخائب الذي دساها هو أيضا باق ولكن بإبقاء الله لا ببقاء الله فإن المشرك الذي هو من أهل النار ما يرى تخليص وجوده لله تعالى من أجل الشريك وكذلك المعطل وإنما قلنا ذلك لئلا يتخيل من لا علم له أن المشرك والمعطل قد أبقى الله الوجود عليهما فبينا أن إبقاء الوجود على المفلحين ليس على وجه إبقائه على أهل النار ولهذا وصف الله أهل النار بأنهم لا يموتون فيها ولا يحيون بخلاف صفة أهل السعادة فإنهم في الحياة الدائمة وكم بين من هو باق ببقاء الله وموجود بوجود الله وبين من هو باق بإبقاء الله وموجود بالإيجاد لا بالوجود وبهذا فاز العارفون لأنهم عرفوا من هو المستحق لنعت الوجود وهو الذي استفادوه من الحق فهذا معنى قوله قد أفلح من زكاها فوجبت الزكاة في النفوس كما وجبت في الأموال ووقع فيها البيع والشراء كما وقع في الأموال وسيرد طرف من هذا الفصل عند ذكرنا في هذا الباب في الرقيق وما حكمه ولما ذا لم تلحق النفس بالرقيق فتسقط فيه الزكاة وإن كان الرقيق يلحق بالأموال من جهة ما كما سنذكره إن شاء الله في داخل هذا الباب كما سأذكر أيضا فيما تجب فيه الزكاة من الإنسان بعدد ما تجب فيه من أصناف المال في فصله إن شاء الله من هذا الباب (وصل) وأما قوله تعالى فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى أي أن الله لا يقبل زكاة نفس من أضاف نفسه إليه فإنه قال فلا تزكوا أنفسكم فأضافها إليكم أي إذا رأيتم أن أنفسكم لكم لا لي والزكاة إنما هي حقي وأنتم أمناء عليها فإذا دعيتم فيها فتزعمون أنكم أعطيتموني ما هو لكم وإني سألتكم ما ليس لي والأمر على خلاف ذلك فمن كان بهذه المثابة من العطاء فلا يزكي نفسه فإني ما طلبت إلا ما هو لي لا لكم حتى تلقوني فينكشف الغطاء في الدار الآخرة فتعلمون في ذلك الوقت هل كانت نفوسكم التي أوجبت الزكاة فيها لي أو لكم حيث لا ينفعكم علمكم بذلك ولهذا قال فلا تزكوا أنفسكم فأضاف النفوس إليكم وهي له ألا ترى عيسى عليه السلام كيف أضاف نفسه إليه من وجه ما هي له وأضافها إلى الله من وجه ما هي لله فقال تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فأضافها إلى الله أي نفسي هو نفسك وملكك فإنك اشتريتها وما هي في ملكي فأنت أعلم بما جعلت فيها وأضاف نفسه إليه فإنها من حيث عينها هي له ومن حيث وجودها هي لله لا له فقال تعلم ما في نفسي من حيث عينها ولا أعلم ما في نفسك من حيث وجودها وهو من حيث ما هي لك والنفس وإن كانت واحدة اختلفت الإضافات لاختلاف النسب فلا بعارض قوله فلا تزكوا أنفسكم ما ذكرناه من قوله قد أفلح من زكاها فإن أنفسكم هنا يعني أمثالكم قال النبي صلى الله عليه وسلم لا أزكي على الله أحدا وسيرد الكلام إن شاء الله في هذا الباب في وجوب الزكاة وعلى من تجب وفيما تجب فيه وفي كم تجب ومن كم تجب ومتى تجب ومتى لا تجب ولمن تجب وكم يجب له من تجب له باعتبارات ذلك كله في الباطن بعد أن نقررها في الظاهر بلسان الحكم المشروع كما فعلنا في الصلاة لنجمع بين الظاهر والباطن لكمال النشأة فإنه ما يظهر في العالم صورة من أحد من
(٥٥٠)