الحج يقول الله تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج كما قررناه (وصل في فصل الشهادة في رؤيته) فإن لم نره وأخبرنا به رجل واحد أو اثنان فهل ندخل تحت حكم الوقت وتقوم لنا الشهادة مقام الرؤية فأقول لا يخلو حكم هذا الهلال في ظهوره أن يظهر بحكم يوافق الغرض النفسي أو يخالفه فإن خالف قبلنا فيه شهادة الواحد ويكون الشاهد الآخر ما أمرنا به من مخالفة النفس فإن النفس بطبعها ما تريد هذا الحكم فينبغي لنا أن نعمل به في هلال الصوم ولما كان الفطر فيه غرض النفس طلبنا شاهدا آخر في الظاهر يشهد لنا حتى يكون فطرنا عبادة لا لأجل غرض النفس وربما اشترطنا فيهما العدالة وإن مثل هذا الفطر الذي هو عيد الفطر عبادة وصومه حرام فإنا فيه أعني في رؤية هلال الفطر مستقبلو عبادة لوجوب الفطر فيه وتحريم الصوم كما أنا في هلال رمضان مستقبلو عبادة لوجوب الصوم وتحريم الفطر فلا فرق ومع هذا يحتاج إلى شاهدين في هلال الفطر جريا على الأصل ولولا الخبر الوارد في هلال الصوم لأجريناه مجرى هلال الفطر وإن كان الأمر فيه على الاحتمال ولكن لنا ما ظهر فيحتاج في هلال الفطر إلى شاهدين ظاهرين وفي هلال الصوم إلى شاهدين ظاهر وباطن فالباطن شاهد الأمر بمخالفة النفس يقول تعالى ونهى النفس عن الهوى والصوم ليس للنفس فيه هوى طبيعي فما صمنا إلا بشاهدين ولا أفطرنا إلا بشاهدين لأن كل واحدة من العبادتين حكم وجودي فلا بد لكل نتيجة من مقدمتين وهما في هذه العبادات الشاهدان فلنذكر الأخبار الواردة في ذلك لنفيد الواقف على هذا الكتاب مأخذنا حتى لا يفتقر إلى كتاب آخر فيتعب فأقول حديث وارد في سنن أبي داود خرج أبو داود عن ربعي بن خراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لأهل الهلال أمس عشية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا وأن يغدوا إلى مصلاهم حديث آخر أيضا من سنن أبي داود خرج أبو داود أيضا عن ابن عمر قال تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه حديث ثالث عن أبي داود أيضا خرج أبو داود أيضا عن الحسين بن الحرث أن أمير مكة خطب ثم قال عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما ثم قال إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأومأ بيده إلى رجل قال الحسين فقلت لشيخ إلى جنبي من هذا الذي أومأ إليه فقال هذا عبد الله بن عمر وأمير مكة كان الحارث بن حاطب الجمحي حديث رابع للدار قطني وذكر الدارقطني من حديث ابن عمر وابن عباس قالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان وقالا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيز شهادة الإفطار إلا برجلين وهذا الحديث ضعيف (وصل في فصل الصائم ينقضي أكثر نهاره في رؤية نفسه دون ربه) لما كان الصوم حكما أضافه الله إليه وعرى الصائم عنه مع كونه أمره بالصيام فانبغي للصائم أن يكون مدة صومه ناظرا فيه إلى ربه حتى يصح كونه صائما لا يغفل عنه فإن الحق لا يضيفه إليه حتى يصح أنه صوم ولا يصح إلا بصيام العبد على الصورة التي شرع الله له فيه أن يأتي بها فإن لم يصمه على حد ما شرع له فما هو صائم وإذا لم يكن صائما فما ثم صوم يرده الله إليه فإن الصائم قد يحسب أنه صائم وقد فعل في صومه فعلا أوجب له ذلك الفعل أن يخرج عن صومه كالغيبة إذا وقعت منه وأمثالها فهو مفطر أي ليس بصائم وإن لم يأكل فإن كان لذلك الفعل كفارة وأتى بها فهو صائم فيحافظ الصائم على هذا فإن فيه إيثار الحق على نفسه فيجازيه على قدر المؤثر به وهو الله تعالى فمن راعى ربه عز وجل راعاه الله تعالى فما يكون جزاؤه إلا هو من وجد في رحله فهو جزاؤه وقد وجد في رحله فإن الحق في قلب عبده المؤمن الحاضر معه لا بد من ذلك والصوم وجد عند الله فإنه له لما صح صوم الصائم طلب رحله فقيل له أخذه الله فكان الله جزاءه فقال الصوم لي وأنا أجزي به حديث مروي في فساد الصوم ذكر أبو أحمد بن عدي الجرجاني من حديث خراش بن عبد الله عن
(٦٤٨)