قوله تعالى سبح اسم ربك الأعلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في سجودكم فاقترن بهما أمر الله بقوله سبح فأمر وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا بمكانها من الصلاة يقول نزهوا عظمة ربكم عن الخضوع فإن الخضوع إنما هو لله لا بالله فإنه يستحيل أن تقوم به صفة الخضوع وأضافه إلى الاسم الرب لأنه يستدعي المربوب وهو من الأمهات الثلاث وهو اسم كثير الدور والظهور في القرآن أكثر من باقي الأسماء فإن أمهات الأسماء في القرآن ثلاثة الله والرحمن والرب ثم إن هذا الاسم لما تعلق التسبيح به لم يتعلق به مطلقا من حيث ما يستحقه لنفسه وإنما تعلق به مضافا إلى نفس المسبح فقال سبحان ربي العظيم وإنما تعلق به مضافا في حق كل مسبح لأن العلم به من كل عالم يتفاضل فيعتقد فيه شخص خلاف ما يعتقد فيه غيره فكل شخص يسبح ربه الذي اعتقده ربا وكم شخص ما يعتقد في الرب ما يعتقده غيره ويرى أن ذلك المعتقد الآخر فيما نسبه إلى ربه مما يستحيل عند هذا أن تكون له تلك الصفة ويكفر من أجلها فلو سبحه مطلقا باعتقاد كل معتقد لسبح هذا الشخص من لا يعتقد أنه ينزه فلهذا أضافه كل مسبح لما يقتضيه اعتقاده وحظ العارف أن يسبحه بلسان كل مسبح وينظر في عظمة الله وتنزيهها عن قيام الخضوع بها وعلوه عن السجود فإن العبد في سجوده يطلب أصل نشأة هيكله وهو الماء والتراب ويطلب بقيامه أصل روحه فإن الله يقول فيهم وأنتم الأعلون وصارت حالة الركوع برزخا متوسطا بين القيام والسجود بمنزلة الوجود المستفاد للممكن برزخا بين الواجب الوجود لنفسه وبين الممكن لنفسه فالممكن عدم لنفسه فإن العدم لا يستفاد فإنه ما ثم من يفيده والواجب الوجود وجوده لنفسه وظهرت حالة برزخية وهي وجود العبد بمنزلة الركوع فلا يقال في هذا الوجود المستفاد هو عين الممكن ولا هو غير الممكن ولا يقال فيه هو عين الحق ولا هو غير الحق فله نسبتان يعرفهما العارف فيخطر للعارف في حال الركوع الحال البرزخي الفاصل بين الأمرين وهو المعنى المعقول الذي به يتميز الرب من العبد وهو أيضا المعنى المعقول الذي به يتصف العبد بأوصاف الرب ويتصف الرب بأوصاف المربوب لا بالصفات فإنه وصف لا صفة وإنما قلنا وصف لا صفة فإن الصفة يعقل منها أمر زائد وعين زائدة على عين الموصوف والوصف قد يكون عين الموصوف بنسبة خاصة ما لها عين موجودة فافهم (فصل بل وصل في الدعاء في الركوع) اختلفوا في الدعاء في الركوع بعد اتفاقهم على جواز الثناء على الله فيه ووجوبه في مذهب من يراه شرطا في صحة الصلاة فمنهم من كره الدعاء في الركوع ومنهم من أجازه وبه أقول واختلفوا في الدعاء في الصلاة فمنهم من قال لا يجوز أن يدعى في الصلاة بغير ألفاظ القرآن ومنهم من أجاز ذلك فأقول لما كانت الصلاة معناها الدعاء صح أن يكون الدعاء جزءا من أجزائها ويكون من باب تسمية الكل باسم الجزء وأما من يكره الدعاء في الركوع فإن الحالة البرزخية لها وجهان وجه إلى الحق ووجه إلى الخلق فمن كان مشهده من الركوع الوجه الذي يطلب الحق كره الدعاء في الركوع ولم يحرمه لأن صفة القيومية قد يتصف بها الكون قال تعالى الرجال قوامون على النساء ومن رجح الوجه الذي يطلب الخلق من الركوع قال يجوز الدعاء في الركوع وبه جاءت السنة وهو مذهب البخاري رحمه الله وكذلك من رجح أن لا يدعى في الصلاة بغير ألفاظ القرآن فإنه نظر إلى أن الله تعالى قد شرع الأدعية في القرآن فالعدول عنها إلى ألفاظ من كلام الناس من مخالفة النفس التي جبلت عليها حتى لا توافق ربها وهو الأدب الصحيح فإني كما لم أناجه في الصلاة إلا بكلامه كذلك لا ندعوه إلا بما أنزل علينا وشرعه لنا في القرآن أو في السنة مما شرع أن يقال في الصلاة ومن أطلق الدعاء في الصلاة بأي نوع كان غلب على قلبه إنه ما ثم إلا الله ولا متكلم إلا الله إما بفعل يفعله كما ورد أن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده يعني في الصلاة أو أمر آخر (فصل بل وصل في التشهد في الصلاة) اختلف العلماء في وجوب التشهد في الصلاة والمختار منه فمن قائل بوجوبه ومن قائل لا يجب فأقول لما كان التشهد على الحقيقة معناه الاستحضار فإنه تفعل من الشهود وهو الحضور والإنسان مأمور بالحضور في صلاته فلا بد من التشهد وهو الأولى والأوجه ولما كان الشاهد مخاطبا بالعلم بما يشهد به بخلاف الحاكم لم يصح الحضور ولا الاستحضار من غير
(٤٢٧)