ادخارهم في ذلك لأنه لا عن بصيرة وليس من أهل الله فإن أهل الله هم أصحاب البصائر والذي عن بصيرة فلا يخلو إما أن يكون عن أمر إلهي يقف عند ويحكم عليه أو لا عن أمر إلهي فإن كان عن أمر إلهي فهو عبد محض لا كلام لنا معه فإنه مأمور كما نظنه في عبد القادر الجيلي فإنه كان هذا مقامه والله أعلم لما كان عليه من التصرف في العالم وإن لم يكن عن أمر إلهي فأما أن يكون عن اطلاع أن هذا القدر المدخر لفلان لا يصل إليه إلا على يد هذا فيمسكه لهذا الكشف وهذا أيضا من وجوه عند القادر وأمثاله وإما أن يعرف أنه لفلان ولا بد ولكن لم يطالع على أنه على يده أو على يد غيره فإمساك مثل هذا الشح في الطبيعة وفرح بالوجود ويحتجب عن ذلك بكشفه من هو صاحبه وبهذا احتججنا على عبد العزيز بن أبي بكر المهدوي في ادخاره فوقف ولم يجد جوابا فإنه ادخر لا عن بصيرة إن ذلك على يده ولا عن بصيرة إن ذلك المعين عنده صاحبه فافتضح بين أيدينا في الحال ومثل هذا ينبغي أن لا يدخر ولقد أنصف سيد الطائفة عاقل زمانه المنصف بحاله أبو السعود بن الشبل حيث قال نحن تركنا الحق يتصرف لنا فلم يزاحم الحضرة الإلهية فلو أمر وقف عند الأمر أو عين له وقف مع التعيين وفيه خلاف بين أهل الله فإنه من الرجال من عين لهم إن ذلك المدخر لا يصل إلى صاحبه إلا على يده في الزمان الفلاني المعين فمنهم من يمسكه لي ذلك الوقت ومنهم من يقول ما أنا حارس أنا أخرجه عن يدي إذ الحق تعالى ما أمرني بإمساكه فإذا وصل الوقت فار الحق يرده إلى يدي حتى أوصله إلى صاحبه وأكون ما بين الزمانين غير موصوف بالادخار لأني خزانة الحق ما أنا خازنه إذ قد تفرغت إليه وفرغت نفسي له لقوله وسعني قلب عبدي فلا أحب أن يزاحمه في تلك السعة أمر ليس هو فاعلم لك فقد نبهتك على أمر عظيم في هذه المسألة فلا تصح الزكاة من عارف إلا إذا ادخر عن أمر إلهي أو كشف محقق معين إنه ما يسبق في العلم أن يكون لهذا الشئ خازن غيره فحينئذ يسلم له ذلك وما عدا هذا فإنما يزكي من حيث نزكي العامة انتهى الجزء الثالث والخمسون (بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل في فضل تقسيم الناس في الصدقات المعطي منهم والآخذ) اعلم أن الناس على أربعة أقسام فيما يعطونه وفيما يأخذونه قسم يستعظم ما يعطي ويستحقر ما يأخذ وقسم يستحقر ما يعطي ويستعظم ما يأخذ وقسم يستحقر ما يعطي وما يأخذ وقسم يستعظم ما يعطي وما يأخذ ولهذا منهم من ينتقي وهم الذين لا يرون وجه الحق في الأشياء ومنهم من لا ينتقي وهم الذين يرون وجه الحق في الأشياء وقد ينتقون لحاجة الوقت وقد لا ينتقون لاطلاعهم على فقرهم المطلق فمنهم ومنهم فإن مشاربهم مختلفة وكذلك مشاهدهم وأذواقهم بحسب أحوالهم فإن الحال للنفس الناطقة كالمزاج للنفس الحيوانية فإن المزاج حاكم على الجسم والحال حاكم على النفس ثم اعلم أن استعظام الصدقة مشروع قال تعالى فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير وقال وأطعموا القانع والمعتر يعني من البدن التي جعلها سبحانه من شعائر الله قال ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق يعني البدن وفي هذه القصة قال ومما رزقناهم ينفقون وقد ذكرنا في شرح المنفق لذي الإنفاق منه كونه له وجهان فكذلك هنا فنالنا منها لحومها ونال الحق منها التقوى منا فيها ومن تقوانا تعظيمها فقد يكون استعظام الصدقة من هذا الباب عند بعض العارفين فلهذا يستعظم ما يعطي إن كان معطيا أو ما يأخذ إن كان آخذا وقد يكون مشهده ذوقا آخر وهو أول مشهد ذقناه من هذا الباب في هذا الطريق وهو إني حملت يوما في يدي شيئا محقرا مستقذر في العادة عند لعامة لم يكن أمثالنا يحمل مثل ذلك من أجل في النفوس من رعونة الطبع ومحبة التميز على من لا يلحظ بعين التعظيم فرأيت الشيخ ومعه أصحابه مقبلا فقال له أصحابه يا سيدنا هذا فلان قد أقبل وما قصر في الطريق لقد جاهد نفسه يراه يحمل في وسط السوق حيث يراه الناس كذا وذكروا له ما كان بيدي فقال الشيخ فلعله ما حمله مجاهدة لنفسه قالوا له فما ثم إلا هذا قال فاسألوه إذا اجتمع بنا فلما وصلت إليها سلمت على الشيخ فقال لي بعد رد السلام بأي خاطر حملت هذا في يدك وهو أمر محقر مستقذر وأهل منصبك من
(٥٨٨)