في ذلك فيما أوصل إليه ترجمان الحق الذي هو الرسول فوافق النفس ما حكم به عليها الطبع فيما أمرت به ولولا ذلك الوجه الخاص ما انخدع العقل واتصف باللؤم الذي هو صفة الطبع بحكم الأصالة وفي مثل هذا قلنا يعز علينا أن تكون عقولنا * بحكم نفوس إن ذا لعظيم إذا غلب الطبع اللئيم نجاره * على عقل شخص إنه للئيم فالعقول وإن كانت عالية الأوج فإن الحضيض يقابل أوجه وهو موطن الطبع النفسي فهو ينظر إليها من أوجه فيراها في مقابلته على خط مستقيم لا اعوجاج فيه وذلك الخط هو الذي يكون عليه العروج من الحضيض إلى الأوج إذا زكت النفس وعليه يكون نزول العقل إلى الحضيض من الأوج إذا خذل العقل وإنما خذله استقامة الخط فإنه على الاستقامة فطر ثم إنه رأى النفس زكت بعروجها عليه فهذا الذي خدع العقل من النفس فإنه لا حظ للعقل في الطبع وساعده على النزول قول الترجمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دليتم بحبل لهبط على الله والعقل مجبول على طلب الزيادة من العلم بالله فأراد في نزوله إلى الطبع على ذلك الخط من وجه ليرى هل نسبة الحق إلى الحضيض نسبته إلى الأوج أم لا فيريد علما بالذوق بأنه على ذلك الحد أو ما هو عليه بل له نسبة أخرى فتحصل له الفائدة على كل حال فلهذا القصد أيضا أمر بإتمام نسكه ولم يبطل عمله ولا سيما وقد سمع أن أربعة أملاك التقوا ملك كان يأتي من المغرب وآخر مقبل من المشرق وآخر نازل من الفوق وآخر صاعد من التحت فسأل كل واحد صاحبه من أين جئت فكل قال من عند الله فلا بد للعقل مع شوقه لطلب الزيادة من العلم أن يتحرك ليحصل هذا العلم بالله ذوقا حاليا لا تقليد فيه ولا يتمكن له ذلك وهو في أوجه إلا إن قنع بالتقليد فنزل على ذلك الخط لطلب هذه المعارف وفي نزوله لا بد أن يرى موضع اجتماع الخطوط فيشاهد علوما كثيرة فهي زلة أوجبت علما فشفع ذلك العلم في صاحب هذه الزلة فجبر له نقصه فلو لا زلة هذا المجامع في الحج ما عرفنا حكم الشرع فيه لو وقع هذا بعد موت المترجم صلى الله عليه وسلم فمن رحمة الله حصل تقرير هذا العلم لنكون على بصيرة من ربنا في عباداتنا (وصل في فصل غسل المحرم بعد إحرامه) اتفقوا على أنه يجوز له غسل رأسه من الجنابة واختلفوا في كراهية غسله من غير الجنابة فقالوا لا بأس بغسله وبه أقول وكره ذلك بعضهم لما كان الرأس محل القوي الإنسانية كلها ومجمع القوي الروحانية اعتبر فيه الحكم دون غيره من الأعضاء لجمعيته وله من الأسماء الإلهية الله لأنه الاسم المنعوت الجامع فحفظه متعين على المكلف لأنه لو اختل من قواه قوة أدى ذلك الاختلال إما إلى فساد يمكن إصلاحه أو إلى فساد لا يمكن إصلاحه وإما إلى فساد يكون فيه تلفه فيزول عن إنسانيته ويرجع من جملة الحيوانات فيسقط عنه التكليف فتنقطع المناسبة بينه وبين الله وأعني مناسبة التقريب خاصة لا مناسبة الافتقار لأن مناسبة الافتقار لا تزول عن الممكن أبدا لا في حال عدمه ولا في حال وجوده فإذا اغترب الإنسان عن موطن عبوديته فهي جنابته فيقال له ارجع إلى وطنك فلا قدم لك في الربوبية أصلا من ذاتك فإذا أراد الحق أن يمنحك منها ما شاء نزل إليك ما أنت تصعد إليه لأنه يعلمك ويعلم محلك وأينك وأنت لا تعرفه فأين تطلبه فما خرجت عن عبوديتك إلا لجهلك ألا تراه سبحانه لما أراد أن يهبك من الربانية ما شاء نزل إليك بأمر سماه شرعا بوساطة رسول ملكي فملكك أمورا وجعل لك الحكم فيها على حد ما رسم لك فمن كونك حاكما فيها هو القدر الذي أعطاك من الربوبية وعلى قدر ما حد لك ومنعك من تجاوزه هو ما أبقى عليك من العبودية فأنت ملك وأنت عبد * وأنت في أنت مستعار ولا وجود في غير عين * فلا احتكام ولا افتقار قد حار مثلي من حرت فيه * فلا اضطرار ولا اختيار ولا فناء ولا بقاء ولا فرار ولا قرار فوجب الغسل من الجنابة بالاتفاق لأنك عبد بالاتفاق ولست ربا بالاتفاق وأما في غير الجنابة فحكمة الغسل لحفظ القوي وحفظها من أوجب الحكم
(٦٨٤)