إقامته على الإحرام إلا إذا أراد الحل فالمعصفر وإن كان ليس طيبا حكمه حكم الطيب فإن لبس الرداء المعصفر قبل الإحرام عند الإحرام ولم يرد نص باجتنابه فله أن يبقى عليه أو يلبسه عند الإحلال وقبل الإحلال ولا يلبسه ابتداء في زمان بقاء الإحرام هذا هو الأظهر في هذه المسألة عندنا إلا أن يرد نص جلي في المعصفر في النهي عنه ابتداء وانتهاء وما بينهما فنقف عنده الصفرة من الشئ المعصفر وهو الخالي والخلي وبه سمي صفر من الشهور في أول وضع هذا الاسم لخلو الأرض فيه عن النبات في ذلك الوقت الموافق لوضع هذا الاسم ولهذا جاز مع بعده لوجود الربيع الذي أزال كون الأرض خالية منه في الهلال الأول المسمى صفرا فإن خلى العبد عن نفسه في هذه العبادة فهو الذي جاز له لباس المعصفر وإن خلى عن ربه فيها لم يجز له لباس المعصفر ولهذا وجد الخلاف فيه (وصل في فصل اختلافهم في جواز الطيب للمحرم عند الإحرام وقبل أن يحرم لما يبقى عليه من أثره بعد الإحرام) فكرهه قوم وأجازه قوم وبإجازته أقول بل هي السنة عندي بلا شك إما قبل الإحرام فجائز وإما إذا أحرم هل يغسل ذلك الطيب من أجل بقاء الرائحة أم لا هذا هو محل الخلاف الصحيح بين العلماء رائحة الطيب يلتذ بها صاحب الطبع السليم ولا تستخبثها نفسه وهو الثناء على العبد بالنعوت الإلهية التي هي التخلق بالأسماء الحسنى لا بمطلق الأسماء وهو في هذه العبادة الأغلب عليه مقام العبودية لما فيها من التحجير ومن الأفعال التي يجهل حكمتها النظر العقلي فكأنها مجرد عبادة فلا تقوم إلا بأوصاف العبودة فمن رأى هذا منع من التخلق بالأسماء في هذه الحالة وفي ابتداء الدخول فيها لأنه لا يدخل فيها باسم إلهي فلا يتطيب عند الإحرام خوفا من الرائحة الباقية مع الإحرام وهو بمنزلة حكم الخلق الإلهي في المتخلق إذا تخلق به ومن رأى أنه يجوز له ذلك كان مشهده إنه ما ثم خلق إلا وقد اتصف به الله تعالى من أوصاف العباد من الفرح والضحك والتعجب وغير ذلك بالتصريح كما بيناه وبغير التصريح مثل قوله وأقرضوا الله ومثل قوله الله يستهزئ بهم وقوله ومكر الله وأمثال هذا فمن كان هذا مشهده قال لا يخلوا الإنسان العبد عن نعت إلهي يكون عليه فأجاز له ذلك وإنما لم يحدث تطيبا في زمان بقاء الإحرام إلى أن يريد التحلل فإنه في زمان بقاء الإحرام تحت قهر اسم العبودة فليس له أن يحدث ثناء إلهيا فيزيل عنه حكم ما يعطيه الاسم الحاكم لتلك العبادة فإنها لا تتصور عبادة إلا بحكم هذا الاسم فإذا زال لم يكن ثم من يقيمها إلا النائب الذي هو الفدية لا غير وأما حكم الطيب للإحرام والإحلال فهو لسلطان الاسم الأول فإن الأول من كل شئ قوي لا يغلب وصادق لا يكذب فلم يكن لغيره من الأسماء هذه القوة فلم يقاومه منازع فحقيقته الأولية فلا يكون وسطا فحكم في أولية الإحرام وفي آخرية الإحرام وهو الذي فهمته عائشة من ذلك فقالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله ولحرمه قبل وجود الإحرام منه والتحليل ولم تقل طيبته لآخر إحرامه حين أراد أن ينقضي ويعقبه الإحلال وإنما راعت الإحلال في آخر أفعال الحج وهو طواف الإفاضة وكذلك راعت الإحرام المستقبل ما غسل عنه طيبا (وصل في فصل مجامعة النساء) أجمع المسلمون على أن الوطء يحرم على المحرم مطلقا وبه أقول غير أنه إذا وقع فعندنا فيه نظر في زمان وقوعه فإن وقع منه بعد الوقوف بعرفة أي بعد انقضاء زمان جواز الوقوف بعرفة من ليل أو نهار فالحج فاسد وليس بباطل لأنه مأمور بإتمام المناسك مع الفساد ويحج بعد ذلك وإن جامع قبل الوقوف بعرفة وبعد الإحرام فالحكم فيه عند العلماء كحكمه بعد الوقوف يفسد ولا بد من غير خلاف أعرفه ولا أعرف لهم دليلا على ذلك ونحن وإن قلنا بقولهم واتبعناهم في ذلك فإن النظر يقتضي أن وقع قبل الوقوف أن يرفض ما مضى ويجدد الإحرام ويهدي وإن كان بعد الوقوف فلا لأنه لم يبق زمان للوقوف وهنا بقي زمان للإحرام لكن ما قال به أحد فجرينا على ما أجمع عليه العلماء مع أني لا أقدر على صرف هذا الحكم عن خاطري ولا أعمل عليه ولا أفتى به ولا أجد دليلا وقد رفضت العمرة عائشة حين حاضت بعد التلبس بها وأحرمت بالحج فقد رفضت إحراما وفي أمر عائشة وشأنها عندي نظر هل أردفت على عمرتها أو هل رفضتها بالكلية فإن أراد بالرفض ترك الإحرام بالعمرة وأن وجود الحيض أثر في صحتها مع بقاء زمان الإحرام فالجماع
(٦٨٢)