ومن الدم الفاسد المؤلم لا يحيون ولا ينعمون فيورثهم أكله سقما ومرضا ثم يدخل أهل الجنة الجنة فما هم منها بمخرجين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الثامن والعشرون (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الخامس والستون في معرفة الجنة ومنازلها ودرجاتها وما يتعلق بهذا الباب) مراتب الجنة المحسوسة انقسمت * إلى منازل والأعمال تطلبها فكل ذي عمل تجري ركائبه * به إليها ورسل الله تحجبها وجنة الاختصاصات التي انفهقت * للمكرمين جنان الورث تعقبها نور الكواكب كنا نستضئ بها * ونورنا اليوم في عدن مكوكبها لو أن غير صراط العرش مركبنا * لزال عند ورود الشرع مركبها فصالح العمل المشروع يظهرها * نورا ومن ذاته الإجلال يكسبها اعلم أيدنا الله وإياك أن الجنة جنتان جنة محسوسة وجنة معنوية والعقل يعقلهما معا كما إن العالم عالمان عالم لطيف وعالم كثيف وعالم غيب وعالم شهادة والنفس الناطقة المخاطبة المكلفة لها نعيم بما تحمله من العلوم والمعارف من طريق نظرها وفكرها وما وصلت إليه من ذلك بالأدلة العقلية ونعيم بما تحمله من اللذات والشهوات مما يناله بالنفس الحيوانية من طريق قواها الحسية من أكل وشرب ونكاح ولباس وروائح ونغمات طيبة تتعلق بها الأسماع وجمال حي في صورة حسنة معشوقة يعطيها البصر في نساء كاعبات ووجوه حسان وألوان متنوعة وأشجار وأنهار كل ذلك تنقله الحواس إلى النفس الناطقة فتلتذ به من جهة طبيعتها ولو لم يلتذ به إلا الروح الحساس الحيواني لا النفس الناطقة لكان الحيوان يلتذ بالوجه الجميل من المرأة المستحسنة والغلام الحسن الوجه والألوان والمصاع فلما لم نر شيئا من الحيوان يلتذ بشئ من ذلك علمنا قطعا إن النفس الناطقة هي التي تلتذ بجميع ما تعطيه القوة الحسية مما تشاركها في إدراكه الحيوانات ومما لا تشاركها فيه واعلم أن الله خلق هذه الجنة المحسوسة بطالع الأسد الذي هو الإقليد وبرجه هو الأسد وخلق الجنة المعنوية التي هي روح هذه الجنة المحسوسة من الفرح الإلهي من صفة الكمال والابتهاج والسرور فكانت الجنة المحسوسة كالجسم والجنة المعقولة كالروح وقواه ولهذا سماها الحق تعالى الدار الحيوان لحياتها فأهلها يتنعمون فيها حسا ومعنى فالمعنى الذي هو اللطيفة الإنسانية والجنة أيضا أشد تنعما بأهلها الداخلين فيها ولهذا تطلب ملأها من الساكنين وقد ورد في خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنة اشتاقت إلى بلال وعلي وعمار وسلمان فوصفها بالشوق إلى هؤلاء وما أحسن موافقة هذه الأسماء لما في شوقها من المعاني فإن الشوق من المشتاق فيه ضرب ألم لطلب اللقاء وبلال من أبل الرجل من مرضه واستبل ويقال بل الرجل من دائه وبلال معناه وسلمان من السلامة من الآلام والأمراض وعما رأى بعمارتها بأهلها يزول ألمها فإن الله سبحانه يتجلى لعباده فيها فعلي يعلو بذلك التجلي شأنها على النار التي هي أختها حيث فازت بدرجة التجلي والرؤية إذ كانت النار دار حجاب فانظر في موافقة هذه الأسماء الأربعة لصورة حال الجنة حين وصفها بالشوق إلى هؤلاء الأصحاب من المؤمنين والناس على أربع مراتب في هذه المسألة فمنهم من يشتهي ويشتهي وهم الأكابر من رجال الله من رسول ونبي وولي كامل ومنهم من يشتهي ولا يشتهي وهم أصحاب الأحوال من رجال الله المهيمون في جلال الله الذين غلب معناهم على حسهم وهم دون الطبقة الأولى فإنهم أصحاب أحوال ومنهم من يشتهي ولا يشتهي وهم عصاة المؤمنين ومنهم من لا يشتهي ولا يشتهي وهم المكذبون بيوم الدين والقائلون بنفي الجنة المحسوسة ولا خامس لهؤلاء الأربعة الأصناف واعلم أن الجنات ثلاث جنات جنة اختصاص إلهي وهي التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحدهم من أول ما يولد إلى أن يستهل صارخا إلى انقضاء ستة أعوام ويعطي الله من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء ومن أهلها المجانين الذين ما عقلوا ومن أهلها أهل التوحيد العلمي ومن أهلها أهل الفترات ومن لم تصل إليهم دعوة رسول والجنة الثانية جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة
(٣١٧)