أثنى على عبدي أي خلع على حلل الثناء والحق سبحانه على الحقيقة المثنى على نفسه بلسان عبده كما أخبرنا أنه قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فانظر ما أشرف مرتبة المصلي كيف وصفه الحق بأنه يخلع حلل الثناء على سيده وأين المصلي الذي تكون هذه حالته هيهات بل الناس استنابوا ألسنتهم لسوء أدبهم وعدم علمهم بمن دعاهم وبما دعوا له من طلب الثناء فلم يجيبوا إلا بظواهرهم وراحوا بقلوبهم إلى أغراضهم فهم المصلون الساهون في صلاتهم لا عن صلاتهم للحالة الظاهرة من الإجابة لندائه ولكونهم أقاموا ظواهرهم نوابا عنهم بين يدي القبلة عن أمر الله فلما دعاهم الحق إلى هذا المقام وجاء العالم بالله وكبر تكبيرة الإحرام كما ذكرناه ولم ير نفسه أهلا لمناجاة ربه إلا بعد تجديد طهارة لقوله وثيابك فطهر والثوب في الاعتبار القلب قال العربي فسلي ثيابي من ثيابك تنسل وقيل في تفسير قوله وثيابك فطهر إنه أمر بتقصير ثيابه يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذا المعنى تقصيرك الثوب حقا * أنقى وأبقى واتقى ولا شك أن العبد فرض عليه رؤية تقصيره في طاعة ربه فإنه يقصر بذاته عما يجب لجلال ربه من التعظيم فهو تنبيه إلهي على أن يطهر العبد قلبه إذ كان ثوب ربه الذي وسعه في قوله وسعني قلب عبدي فمثل هذا الثوب هو المأمور بتطهيره في هذا المقام ثم إن العارف رأى أن طهر قلبه لمناجاة ربه إذا طهره بنفسه لا بربه زاده دنسا إلى دنسه كمن يزيل النجاسة من ثوبه ببوله لكونه مائعا وأن التطهير المطلوب هنا إنما هو البراءة من نفسه ورد الأمر كله إلى الله فإن الله يقول وإليه يرجع الأمر كله فاعبده ولهذا لا يصح له عندنا أن يناجيه في الصلاة بغير كلامه لأنه لا يليق أن يكون في الصلاة شئ من كلام الناس وكذا ورد في الخبر أن الصلاة لا يصح فيها شئ من كلام الناس إنما هو التسبيح الحديث ثم أيد هذا القول بما أمر به حين نزل قوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم قال صلى الله عليه وسلم لنا اجعلوها في ركوعكم ولما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال صلى الله عليه وسلم لنا اجعلوها في سجودكم فعمنا القرآن في أحوالنا من قيام وركوع وسجود فما ذكره المصلي في شئ من صلاته إلا بما شرعه له على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفنا أنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وإن لم نسم كل كلام إلهي قرآنا مع علمنا أنه كلام الله فالقرآن كلام الله وما كل كلام الله قرآن فالكل كلامه فلا نناجيه في شئ من الصلاة إلا بكلامه كذلك التطهير الذي أمر به سبحانه في قوله وثيابك فطهر فيقول العارف في صلاته بين تكبيرة الإحرام وقراءة فاتحة الكتاب امتثالا لهذا الأمر اللهم باعد بيني وبين خطاياي وهي النجاسات المتعلقة بثوبه كما باعدت بين المشرق والمغرب والسبب في ذلك أن العبد العالم إذا دعاه الحق إلى مناجاته فقد خصه بمحل القربة منه فإذا أشهده خطاياه في موطن القرب وهي في ذاتها في كل البعد من تلك المكانة كان العبد في محل البعد عما طلب الحق منه من القرب فدعا الله قبل الشروع في المناجاة أن يحول بينه وبين مشاهدة خطاياه أن تظهر له في قلبه في هذا الموطن الذي هو موطن القربة ولذلك قال بعضهم في حد التوبة أن تنسى ذنبك فإن ذكر الجفاء في موطن الصفا جفا وما رأيت فيمن رأيت أحدا تحقق بهذا المقام ذوقا إلا بعض الملوك في مقامه مع الخلق فلا يريد أن يظهر له شئ من خطاياه بتخيل أو تذكر كما باعدت بين المشرق والمغرب وفي هذا التشبيه علم عزيز غزير ولكنه أراد هنا البعديين الضدين إذ كان الضدان لا يجتمعان والعلم الذي نبهنا عليه مبطون في هذين الضدين إذ يجتمعان في حكم ما كالبياض والسواد يجتمعان في اللون كالمحدث وغير المحدث في الوصف بالوجوب فالمشرق وإن بعد عن المغرب حسا فإنه يشاهد كل واحد صاحبه على التقابل وهو بعد حسي بالموضعين وبعد معنوي بالشروق والغروب فإن الغروب يضاد الشروق ومحل الشروق الذي هو المشرق بعيد جدا من محل الغروب الذي هو المغرب ولم يقل كما باعدت بين السواد والبياض فإن اللونية تجمع بينهما فانظر ما أحكم هذا التعليم وما أحقه وأدقه وتأدب مع الله حيث طلب البعد من خطاياه وما طلب إسقاطها عنه حتى لا يكون في ذلك الموطن في حظ نفسه يسعى ويطلب فيكون بمنزلة من وجه الملك فيه ليدخل عليه فلما دخل عليه طلب منه ابتداء ما يصلح لنفسه فهذا سيئ الأدب وإنما ينبغي له أن يطلب من الحق ما يليق مما تطلبه تلك الحالة من التأهب لمناجاة سيده فطلب البعد من الخطايا ما طلب الإسقاط (وصل فيه ومنه) ثم قال اللهم نقني من
(٤١٦)