لكان أعظم لأجرك فمقام العبودية رجح على ثواب الحرية كما رجح الفقر إلى الله على الغني بالله بعض أشياخنا حدثني عبد الله القلفاط بجزيرة طريف سنة تسعين وخمسمائة وقد جرى بيننا الكلام على المفاضلة بين الغني والفقير أعني الغني الشاكر والفقير الصابر وهي مسألة طبولية وانجر في ذلك حال الفقر والغنى فقال لي حضرت عند بعض المشايخ وحكاها لي عن أبي الربيع الكفيف المالقي تلميذ أبي العباس بن العريف الصنهاجي قال لو أن رجلين كان عند كل واحد منهما عشرة دنانير فتصدق أحدهما من العشرة بدينار واحد وتصدق الآخر بتسعة دنانير من العشرة التي عنده أيهما أفضل فقال الحاضرون الذي تصدق بالتسعة فقال بما ذا فضلتموه فقالوا له لأنه تصدق بأكثر مما تصدق به صاحبه فقال حسن ولكن نقصكم روح المسألة وغاب عنكم قيل له وما هو قال فرضناهما على التساوي في المال فالذي تصدق بالأكثر كان دخوله إلى الفقر أكثر من صاحبه ففضل بسبقه إلى جانب الفقر وهذا لا ينكره من يعرف المقامات والأحوال فإن القوم ما وقفوا مع الأجور وإنما وقفوا مع الحقائق والأحوال وما يعطيه الكشف وبهذا فضلوا على علماء الرسوم ولو تصدق بالكل وبقي على أصله لا شئ له كان أعلى فنقصه من الدرجة والذوق على قدر ما تمسك به ألا ترى ما قاله شيخنا أبو العباس السبتي رحمه الله في المحتضر يوصي بالثلث فإن المحتضر ما يملك من المال إلا الثلث فخرج عما يملك وما أبقى شيئا وأجاز له الشارع أن يتصدق بالثلث كله الذي يملكه وهو محمود في ذلك شرعا فلقي الله فقيرا على حكم الأصل كما خرج من عنده رجع إليه صفر اليدين قال بعضهم في هذا المعنى إذا ولد المولود يقبض كفه * دليل على الحرص المركب في الحي ويبسطها عند الممات مواعظا * ألا فانظروني قد خرجت بلا شئ فكان أفضل ممن لم يتصدق بذلك الثلث الذي يملكه أو تصدق بأقل من الثلث وينوي بما يبقيه أنه صدقة على ورثته وفيه إشارة عجيبة (وصل في فصل فضل من ترك صدقة بعد موته جارية في الناس من مال أو علم) العارف بالله يحتضر وفي نفسه لو أطاق الكلام أفاد الناس علما بربهم وقد عقل لسانه فنقل عند تلميذ مسألة في العلم النافع من توحيد وغيره أفادها السامعين الحاضرين فإن ذلك العارف المحتضر يجني ثمرتها والتلميذ يجني ثمرة نقله عند الله ويجازي الله بها الميت جزاء وجوب فإنها من سعيه يقول الله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأفضل ما أكله الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه والتلميذ ولد ديني بلا شك فما هو من سعى الإنسان فهو له عند الله بطريق الإيجاب الإلهي الذي أوجبه على نفسه وأما ما عمل عنه غيره بحكم النيابة مما لم يؤذن فيه الميت ولا أوصى به ولا له فيه تعمل فإن الله يعطيه ذلك المقام إذا وهبه إياه غيره فيأخذه الميت لا من طريق الوجوب الإلهي لكن يجب عليه أخذه ولا بد فإنه أتاه من غير مسألة وفي الحديث الصحيح ما أتاك من غير مسألة فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك وقد وردت من ذلك رائحة في علم الرسوم فيما خرجه مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجران تصدقت عنها قال نعم (وصل في فصل ما تعطيه النشأة الآخرة) قال الله تعالى كما بدأكم تعودون ولقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون وبدأنا على غير مثال وعلمنا ذلك كذلك يعيدنا على غير مثال اعلم أن من ثواب الدار الآخرة ونسبة الإنسان إليه علم النشأة الآخرة ولم يبعد عليه أن يكون الشخص في أماكن مختلفة في الزمن الواحد وهذا أمر تحيله العقول ويشهد بصحته الكشف فهو محال عقلا وليس بمحال نسبة إلهية كل مصل يناجي ربه والإنسان مخلوق من حيث حقيقته التي نشأ عليها في الدار الآخرة على الصورة العارف يكون مع كثير من الأسماء الإلهية في أحوال مختلفة مع أحدية العين من العارف ومن المسمى ويراه كل إنسان بحسب عينه الذي يحب هذا الرجل أن يظهر إليه به فيكون زيد المصلي في حال صلاته يراه عمر ونائما ويراه خالد كاتبا ويراه محمد خائطا ويراه قاسم آكلا والعين واحدة وكل ذلك بالفعل مشهود لكل راء وكل راء في بلد غير بلد صاحبه كما يدخل
(٥٧٧)