بين الله وبين خلقه وهناك المناسبة موجودة فإن قيل المناسبة هنا خلقه على الصورة ولهذا صح له التخلق بالأسماء الإلهية قلنا أما الصورة فلا ننكرها وأما التخلق فلا ننكره ولكن أضاف الاستلام هنا للعبد وجعل استلامه بحق وما ثم إلا الاستلام وهو بحق فما استلم إلا الحق والصورة هنا ما هي عين الحق بلا شك فإنها لو كانت عين الحق ما قال خلق آدم على صورته وهنا كان الحق سمعه وبصره ويده فهنا هو الحق عينه من حيث ما هو سامع وناظر وفاعل أي فعل كان فهو عين الصفة التي يكون لها الحكم والأثر والحال في الكون فاختر عند استلامه بأي حالة تستلم ومع هذا فكلها أحوال حسنة وبينهما فرقان بين وإخراج على عن بابها في هذا الموضع أولى بالعموم وإبقاؤها على بابها أولى بالخصوص والأكابر منا من يستلمه بالوجهين يستلمه بحق ويستلمه بعبودية فيجمع بين الصفتين فيكون ذا جزاءين فيكون له وعليه كما كان يسلك منه وإليه (حديث رابع وثلاثون في الصلاة خلف المقام) خرج أبو داود عن عبد الله بن أبي أو في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام الحديث لما أمرنا الله تعالى أن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى وقد مضى اعتباره فجعلناه بين أيدينا لنشاهده حتى لا نغفل عنه في حال صلاتنا فيذكرنا شهوده بأن نسأل الله تحصيل هذا المقام إن لم نكن فيه وإن كان حالنا فيذكرنا شهوده أن نسأل الله دوامه علينا وبقاءنا فيه فلا بد في الحالين أن نكون خلفه لئلا نكون ممن نبذه وراء ظهره فلم يتذكره لعدم شهوده إياه (حديث خامس وثلاثون إشعار البدن وتقليدها النعال والعهن) خرج مسلم عن ابن عباس قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت عنها الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته الحديث اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر في الإبل أنها شياطين وجعل ذلك علة في منع الصلاة في معاطنها والشيطنة صفة بعد من رحمة الله لا من الله لأن الكل في قبضة الله وبعين الله والإشعار الإعلام والمحسنون ما عليهم من سبيل وإنما يدعي إلى الله من لم يكن عنده في الصفة التي يدعى إليها والشفاعة لا تقع إلا فيمن أتى كبيرة تحول بينه وبين سعادته ولا أبعد من شياطين الإنس والجن والهدية بعيدة من المهدي إليه لأنها في ملك المهدي فهي موصوفة بالبعد وما يتقرب المتقرب إلى الله من أهل الدعاء إلى الله بأولى من رد من شرد عن باب الله وبعد إلى الله ليناله رحمة الله فإن الرسل ما بعثت بالتوحيد إلا للمشركين وهم أبعد الخلق من الله ليردوهم إلى الله ويسوقوهم إلى محل القرب وحضرة الرحمة فلهذا أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم البدن مع ذكره فيها أنها شياطين ليثبت عند العالمين به إن مقامه صلى الله عليه وسلم رد البعداء من الله إلى حال التقريب ثم إنه أشعرها في سنامها الأيمن وسنامها أرفع ما فيها فهو الكبرياء الذي كانوا عليه في نفوسهم فكان أعلاما من النبي صلى الله عليه وسلم لنا بأنه من هذه الصفة أتى عليهم لنجتنبها فإن الدار الآخرة إنما جعلها الله للذين لا يريدون علوا في الأرض والسنام علو ووقع الإشعار في صفحة السنام الأيمن فإن اليمين محل الاقتدار والقوة والصفحة من الصفح إشعار من أن الله يصفح عمن هذه صفته إذا طلب القرب من الله وزال عن كبريائه الذي أوجب له البعد لأنه أبي واستكبر وجعل صلى الله عليه وسلم الدلالة على إزالة الكبرياء في شيطنة البدن جعل النعال في أرقابها إذ لا يصفع بالنعال إلا أهل الهون والذلة ومن كان بهذه المثابة فما بقي فيه كبرياء يشهد وعلق النعال في قلائد من عهن وهو الصوف ليتذكر بذلك ما أراد الله بقوله وتكون الجبال كالعهن فإذا كانت هذه صفته كان قربانا من التقريب إلى الله فحصلت له القربة بعد ما كان موصوفا بالبعد إذ كان شيطانا فإذا كانت الشياطين قد أصابتهم الرحمة فما ظنك بأهل الإسلام ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا بعث إلى الموحدين ليشهدوا بتوحيدهم على جهة القربة التي لا يستقل العقل بإدراكها أعني بإدراك هذه القربة إلا من جهة الشرع فيحقق بعثه إلى المشرك والموحد بوجهين فالمشرك وهو الشيطان المتكبر دعاه إلى عين القربة كما ذكرناه فقبل قربة وزال عنه بما ذكرناه من الإشعار وتقليد النعال ما كان فيه من صفة البعد ثم نبه صلى
(٧٥٣)