الكفارة أوجب وأصل ما ينبغي عليه هذا الباب وجميع أفعال العبادات كلها علم إضافة الأفعال هل تضاف إلى الله وإلى العباد أو إلى الله وإلى العباد فإن وجودها محقق ونسبتها غير محققة فلنقل أولا في ذلك قولا إذا حققته ونظرت فيه نظر منصف عرفته أو قاربت فإني أفصل ولا أعين الأمر على ما هو في نفسه لما فيه من الضرر واختلاف الناس فيه والخلاف لا يرتفع من العالم بقولي فإبقاؤه في العموم على إبهامه أولى وعلماء رجالنا يفهمون ما أومئ إليه فيها فأقول إن الله قد قال إنه ما خلق الله الخلق إلا بالحق وتكلم الناس في هذا الحق المخلوق به وما صرح أحد به ما هو إلا أنهم أشاروا إلى أمور محتملة فاعلم إن الحق المخلوق به والعالم المخلوق أمران محققان أنهما أمران عند الجميع غير أنهما نظير الجوهر الهبائي والصورة ومعلوم عند الجماعة أن الأفعال تصدر من الصورة ولكن من هو الصورة هل العالم أو المخلوق به الذي هو الحق الذي قال الله فيه ما خلقناهما إلا بالحق وبالحق أنزلناه وبالحق نزل فمن رأى أن الحق المخلوق به مظهر صور العالم ظهرت فيه بحسب ما تعطيه حقائق الصور على اختلافها بحسب الأفعال إلى الخلق ومن رأى أن أعيان الممكنات التي هي العالم هو الجوهر الهبائي وأن الحق المخلوق به هو الصورة في هذا العالم وتنوعت أشكال صوره لاختلاف أعيان العالم فاختلفت عليه النعوت والألقاب كما تنسب الأسماء الإلهية من اختلاف آثارها في العالم فمن رأى هذا نسب الفعل إلى الله بصورة الصورة الظاهرة ومن رأى أن ظهور الصورة لا يتمكن إلا في الجوهر الهبائي وأن الوجود لا يصح للجوهر الهبائي في عينه إلا بحصول الصورة فلا تعرف الصورة إلا بالجوهر الهبائي ولا يوجد الجوهر الهبائي إلا بالصورة نسب الأفعال إلى الله بوجه وإلى العباد بوجه فعلق المحامد والحسن بما ينسب من الأفعال للحق وعلق المذام والقبح بما ينسب من الأفعال للعباد بالخلق الذي هو العالم لحكم الاشتراك العقلي والتوقف في العلم بكل واحد منهما وتوقف كمال الوجود على وجودهما وقد رميت بك على الجادة فهذا تفسير وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى فنفى الرمي عمن أثبته له يقول الله في هذه الآية عين ما قلناه في هذه المسألة وذهبنا إليه والله يقول الحق وهذا قوله وهو يهدي السبيل أي يبينه لنمشي عليه ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فمشينا عليه بحمد الله فأثبت بهذه الآية أن أعيان العالم هو الجوهر الهبائي إلا أنه لا يوجد إلا بوجود الصورة وكذلك أعيان العالم ما اتصفت بالوجود إلا بظهور الحق فيها فالحق المخلوق به لها كالصورة وقد أعلمتك أن الفعل كله إنما يظهر صدوره من الصورة وهو القائل ولكن الله رمى فكان الحق عين الصورة التي تشاهد الأعمال منها فتحقق ما ذكرناه فإنه لا أوضح مما بين الله في هذه الآية وبيناه نحن في شرحنا إياها على التفصيل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم صراط الله والصراط الذي عليه الرب والصراط المضاف إلى الحقيقة في قوله وأن هذا صراطي مستقيما ولكل صراط حكم ليس للآخر فافهم والسلام وأما صراط الذين أنعمت عليهم فهو الشرع (وصل في فصل اختلافهم في توقيت الإطعام والصيام) اختلفوا في توقيت الإطعام والصيام فالأكثرون على أن يطعم ستة مساكين وقال قوم عشرة مساكين والصيام عشرة أيام واختلفوا في كم يطعم كل مسكين فقال بعضهم مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين وقال بعضهم من البر نصف صاع ومن التمر والزبيب والشعير صاع وأما قص الأظفار فقال قوم ليس فيها شئ وقال قوم فيه دم وفروع هذا الباب كثيرة جدا فمن اعتبر الستة المساكين نظر إلى ما يطعم الصفات مما تطلب فوجدناها ستة كونية عن ستة إلهية فما للإلهية من الحكم للكونية من الحكم وإطعامها ما تطلبه لبقاء حقيقتها فإنه لها كالغذاء للأجسام الطبيعية فالمعلوم للعلم طعام فيه يتعلق وكذلك الإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر وأما الحياة فليس لها مدخل في هذا الباب فغاية حقيقتها الشرطية لا غير وهو باب آخر ولما كانت الحضرة حضرتين كان من المجموع اثنا عشر وهو نهاية أسماء بسائط العدد الذي يعم الحضرتين فإن العدد يدخل عليهما ولهذا ورد تعدد الصفات والأسماء المنسوبة إلى الله وأما حكمه في الكون فلا يقدر أحد على إنكاره كما أنها أيضا نهاية انتهاء وزن الفعل الذي هو مركب من مائة وثمانين درجة وسأبين حكمها إن شاء الله فأما أوزان الفعل في الأسماء فهي اثنا عشر وزنا كل وزن يطلب ما لا يطلبه الآخر وهي
(٧٣١)