أن يكون عليه السائل من الحضور مع الله فليستكثر هذا السائل من السؤال فإن الله هو المسؤول فإن لم يحضر له ذلك ولم يشاهد سوى الأستاذ ولا يرى العلم إلا منه ولا يرده ذلك العالم إلى الله بقوله الله أعلم ولا يقول له من العلم ما يرده إلى الله فيه فذلك الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره مسلم من حديث أبي هريرة من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقلل أو ليستكثر وإنما أراد الله تعالى من عباده أن يرجعوا إليه في المسائل لا إلى أمثالهم إلا بقدر ما يتعلمون منهم كيف يسألون الله وهو حد التقوى المشروع فقال واتقوا الله بما علمكم من أعلمته بطريق التقوى ويعلمكم الله فكان هو سبحانه المعلم وسواء كانت المسألة في العلم أو في غير العلم من أعراض الدنيا كما قال لموسى عليه السلام ربه عز وجل فيما أوحى إليه به أو كلمه به سلني حتى الملح تلقيه في عجينك وقال في باب الإشارة لا التفسير الرحمن علم القرآن في أي قلب يكون ويستقر وعلى أي قلب ينزل خلق الإنسان علمه البيان لتبين للناس ما نزل إليهم فأضاف التعليم إليه لا إلى غيره هذا كله من الغيرة الإلهية أن يسأل المخلوق غير خالقه ليريح عباده من سؤال من ليس بأيديهم من الأمر شئ وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا وما خص صلى الله عليه وسلم مسألة من مسألة فقال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها وأراد من الناس أن يعملوا بما علمهم الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ويسألون الله في أعمالهم أن يزيدهم علما إلى علمهم منه فيتولى بنفسه تعليم عباده فإن الله غيور فلا يحب أن يسأل غيره وإن سأل غيره بلسان الظاهر فيكون القلب حاضرا مع الله عند سؤاله إن الله هو المسؤول الذي بيده ملكوت كل شئ بالمعنى فإن الاسم الظاهر من الله هو هذا الشخص فإنه من جملة الحروف المرقومة في رق الوجود المنشور فيأخذ هذا السائل جوابه من الله إما بقضاء الحاجة وإما بالدعاء ولهذا كان سؤال الرجل السلطان أولى من سؤال غير السلطان لأن وجود الحق أظهر فيه من غيره من السوقة والعامة ولهذا رفعت الكدية عن الذين يسألون الملوك فإنهم نواب الله وهم موضع حاجة الخلق وهم المأمورون أن لا ينهروا السائل يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو النائب الأكبر وأما السائل فلا تنهر ولهذا يسأل الله تعالى يوم القيامة النواب وهم الرعاة عن من استرعاهم عليه ويسأل الرعايا ما فعلوا فيهم ثم نرجع إلى مسائل الصدقة التي نحن في بابها فنقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل كدوح يكدح بها الرجل في وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل ذا سلطان في أمر لا يجد منه بدا وهذا نص ما ذكرناه وهو حديث خرجه أبو داود عن سمرة بن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك سؤال الصالحين العارفين أهل المراقبة أولى من سؤال السلاطين إلا أن تكون هذه الصفات في السلطان فإن أصحاب هذه الصفات أقرب نسبة إلى الله تعالى وقد رأينا بحمد الله من السلاطين من هو بهذه المثابة من الدين والورع والقيام للحق بالحق رحمهم الله وقد ورد في الخبر أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسأل يا رسول الله قال لا وإن كنت سائلا ولا بد فسل الصالحين فالعارفون إذا سألوا في أمر تعين لهم من مصالح دنياهم إنما يسألون الله بالله في العالم والعلماء بالله الذين استفرغهم شهود الله شغلهم ذكر الله عن المسألة من الله فهؤلاء أصحاب أحوال فأعطاهم العلم به وهو أفضل ما أعطى السائلون فإذا علموه علم ذوق لم يذكروه إلا له بهم وبه فأعطاهم بهذا الذكر أمرا جعلهم أن يتركوا الذكر له وبه فأعطاهم الرؤية إذ كانت الرؤية أرفع من المشاهدة وهي أفضل صدقة تصدق الله بها على المقربين من عباده (وصل في فصل أخذ العلماء بالله من الله العلم الموهوب) اعلم أن العلماء بالله لا يأخذون من العلوم إلا العلم الموهوب وهو العلم اللدني علم الحضر وأمثاله وهو العلم الذي لا تعمل لهم فيه بخاطر أصلا حتى لا يشوبه شئ من كدورات الكسب فإن التجلي الإلهي المجرد عن المواد الإمكانية من روح وجسم وعقل أتم من التجلي الإلهي في المواد الإمكانية وبعض التجليات في المواد الإمكانية أتم من بعض فإذا وقع للعالم بالله من تجل إلهي أشراف على تجل آخر لم يحصل له ثم حصل له بعد ذلك فأعطاه من العلم به ما لم يكن عنده لم يقبله في العلم الموهوب وألحقه بالعلم المكتسب وكل علم حصل له عن دعاء فيه أو بدعاء مطلق فهو مكتسب وذلك لا يصلح إلا للرسل
(٥٨٢)