وهي الصدقة على المحتاجين قال تعالى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى وقال وأما السائل فلا تنهر يعني السائل عن العلم الإنسان يتصدق بالعلم على أهل الله الذين هم أهله الحكمة لا ينبغي أن يتعدى بها أهلها ويحتسب تلك الصدقة عند الله أي لا يرى له فضلا على من علمه ولا تقد ما يستدعي بذلك خدمة منه في أدب وتعظيم وتسخير في مقابلة ما أفضل عليه إن فعل ذلك لم يحتسب ذلك عند الله وقد لقينا أشياخا على ذلك وهو طريقنا وقد نبه الشرع عليه في علم الرسوم وعالمه فقال إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة يعني تقع بيد الرحمن خرج هذا الحديث مسلم عن أبي مسعود البدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وصل في فصل العلم اللدني والمكتسب) العلم علمان موهوب ومكتسب فالعلم الموهوب لا ميزان له والعلم المكتسب هو ما حصل عن التقوى والعمل الصالح وتدخله الموازنة والتعيين فإن كل تقوى وعمل مخصوص له علم خاص لا يكون إلا له فثم من يتقي الله لله ومن يتقي الله للنار ومن يتقي الله للشيطان ومن يتقي الله لمن لا يتقي الله وكل تقوى لها عمل خاص وعلم خاص يحصل لمن له هذه التقوى فانفاق الرجل على نفسه الذي له به صدقة هو ما يغذيها به من هذه العلوم المكتسبة التي بها حياته الأبدية في الدنيا والآخرة وذلك أن كل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ولا معروف إلا الله فلا أهل إلا أهل الله فالناصح نفسه من وقى عرضه فإنه من صدقاته على نفسه ووقاية العرض أن لا يجري عليه من جانب الحق لسان ذم لا غير فيكون محمودا بلسان الشرع وبكل لسان إلهي من ملك وحيوان ونبات ومعدن وفلك وكل ما عدا الثقلين وبعض الثقلين وهل يتصور أن يقي عرضه من جميع الثقلين هذا لا يتصور لأن الأصل الذي هو الله لم يبق عرضه من ألسنة خلقه إلا أنه يمكن أن يرتفع عن العرض وإذا أمكن فقد وقى نفسه الذي هو عرضه أن يكون له أثر في نفسه لا أنه وقى عرضه أن يقال فيه وهو معنى قوله وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه فإن أنفق ليتني مجدا في ألسنة الخلق فهو لما أنفق فإن أبتغي إعادة الثناء على الله من حيث إنه آل الله فإن أنفق في هذا الشأن ولا يرى أنه المنفق وأنفق في معصية إبليس ولا يرى العصمة والإنفاق إلا من يد الله فمثل هذا يستثنى في كل إنفاق إذا كان هذا حاله وذوقه فلا يجد الثواب على من يعود إلا على معطيه فيد الله منفقة ويد الرحمن آخذة منها فيد الله منفقة * ويد الرحمن آخذة فالتي للجود خالية * والتي للعبد عاطلة فصلت آياته عجبا * وهي للأعيان واصلة لو تراها في تقلبها * وهي في الأكوان جائلة قلت أغراضي تصرفها * وهي بالبرهان ساكنة ويؤيد ما ذكرناه ما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة وما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة وما وقى به رجل عرضه فهو صدقة وما أنفق الرجل من نفقة فعلى الله خلفها إلا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية ذكر هذا الحديث أبو أحمد من حديث جابر قال عبد الحميد وهو الذي روى عنه أبو أحمد قلت لابن المنكدر ما وقى به الرجل عرضه يعني ما معناه قال يعطي الشاعر وذا اللسان (وصل في الفصل بين العبودية والحرية) إضافة الإنسان بالعبودية إلى ربه أو إلى العبودية أفضل من إضافته بالحرية إلى الغير بأن يقال حر عن رق الأغيار فإن الحرية عن الله ما تصح فإذا كان الإنسان في مقام الحرية لم يكن مشهوده إلا أعيان الأغيار لأن بشهودهم تثبت الحرية عنهم وهو في هذه الحال غائب عن عبوديته وعبودته معا فمقام العبودية أشرف من مقام الحرية في حق الإنسان والعبودة أشرف من العبودية وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا في حديث ميمونة بنت الحارث لما أعتقت وليدة لها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو أعطيتها أخوالك
(٥٧٦)