الخيرات وكما يتقرب بالفرائض كذلك يتقرب بالنوافل وقد وردت الأخبار بما تنتجه نوافل الخيرات من القرب الإلهي فجعل لها حكما في نفسها فهذا اعتبار من أفرد نسل الغنم بالحكم ومن ألحقها بالأمهات كما ذكرنا في المذهبين واعتباره أن نوافل الخيرات فرائض وكان حكمها حكم الفرائض فلهذا ضمن إليها فإن صلاة التطوع وهي النافلة التي لا تجب على الإنسان ولا يعصي بتركها إذا شرع فيها في صلاة نافلة أو صيام أو حج فإنه يلزمه ما فيها من الفرائض فالركوع والسجود والقيام في صلاة النافلة فريضة واجبة عليه لا تصح أن تكون صلاة إلا بهذه الأركان ولهذا قال الله أكملوا لعبدي فريضته من تطوعه فيكمل فرض المفروض من فرض التطوع كان العمل ما كان فحق الله في نوافل الخيرات ما تحوي عليه من الفرائض وهو زكاتها وما في ذلك من الفضل يعود على عاملها ولهذا يكون الحق سمعه وبصره في التقرب بالنوافل (وصل في فصل فوائد الماشية) قد تقدم اعتبار مثله في فوائد الناض فأغنى عن ذكره في هذا الفصل وإنما جئنا به لننبه عليه (وصل في فصل اعتبار حول الديون) فيمن يرى الزكاة فيه فإن قوما قالوا يستقبل به الحول من اليوم الذي قبضه يعني الدين من غريمه والذين يقولون في الدين الزكاة اختلفوا فمن قائل يعتبر فيه من أول ما كان دينا وإن مضى عليه حول زكى زكاة حول وإن مرت عليه أحوال زكى لكل حول مر عليه زكاة فأنزله صاحب هذا المذهب منزلة المال الحاضر ومن قائل يزكيه لعام واحد خاصة وإن أقام أحوالا عند الذي عنده الدين فلا زكاة فيه إلا هذا القدر ولا أعرف له حجة في ذلك (الاعتبار في هذا) الحج عن الميت ومن لا يستطيع كما ورد في النص وصيام ولي الميت عن الميت إذا مات وعليه صيام فرض رمضان فصار حقا لله فيه على الولي الذي يحج أو يصوم فذلك الحق هو قدر الزكاة الذي في الدين وتبرأ ذمة الذي عنده الدين كما إن الذي عنده الدين لا زكاة عليه فيما عنده لأنه ليس بما لك له ومن يرى أنه لا زكاة عليه فيه ما دام عند المديون بري أنه ليس للإنسان إلا ما سعى وليس بيده مال يسعى فيه بخير بل خيره منه كونه وسع على المديون بما أعطاه من المال فعين هذا الفعل قام فيه مقام الزكاة فأغنى عن أن يزكيه وأي خير أعظم ممن وسع على عباد الله وقد قرر العلماء أن المقصود بالزكاة إنما هو سد الخلة والذي يأخذ الدين لولا حاجته ما أخذه والذي يعطيه ذلك قد سد منه تلك الخلة فأشبه الزكاة من هذا الوجه فهذا اعتبار من لا يرى زكاة فيه حتى بقبضه ويستقبل به الحول من يوم قبضه وآية الديون على ما قلناه قوله تعالى وأقرضوا الله قرضا حسنا ومن ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ولما كان في القرض سد الخلة لذلك قالت اليهود إن الله فقير ونحن أغنياء أي من أجل فقره طلب القرض منا وغابوا عن الذي أراده الحق تعالى من ذلك من غاية وصلته بخلقه كما جاء في الصحيح جعت فلم تطعمني وشبه ذلك والباب واحد وقد تقدم الكلام في القرض في أول الباب (وصل في فصل حول العروض عند من أوجب الزكاة فيها) وقد تقدم اعتبار الحول والذي أذهب إليه أنه لا زكاة فيها لعدم النص في ذلك وكأنه شرع زائد وهو القياس المرسل لا شرع مستنبط من شرع ثابت والله أعلم فمن العلماء من اشترط مع العروض وجود الناض ومنهم من اعتبر فيه النصاب ومنهم من لم يعتبر ذلك وقال أكثر العلماء المدير وغير المدير حكمه واحد وأنه من اشترى عرضا وحال عليه الحول قومه وزكاه وقال قوم بل يزكي ثمنه وبه أقول لا قيمته (وصل الاعتبار في هذا) العروض هو ما يعرض على الإنسان من أعمال البر مما لا نية له في ذلك أو يكون من الأعمال التي لا نشترط فيها النية وله الثواب عليها كما قال صلى الله عليه وسلم أسلمت على ما أسلفت من خير أي لك ثوابه وإن لم يكن فعلك فيه عن شرع ثابت لكنه مكارم خلق فصادف الحق فجوزي عليه فلو لم يكن في ذلك العمل الذي عرض حق لله لنسبة تعطيه ما صح أن يثني عليه فذلك زكاته من حيث لا يشعر
(٦٠٠)