(وصل في حكم الباطن وأما حكم الباطن فيما ذكرناه في هذا الباب) وهو الماء الذي تخالطه النجاسة ولم تغير أحد أوصافه فهو العلم الإلهي الذي يقتضي التنزيه عن صفات البشر فإذا خالطه من علم الصفات التي تتوهم منها المناسبة بينه وبين خلقه فوقع في نفس العالم به من ذلك نوع تشويش فاستهلك ذلك القدر من العلم بالصفات التي يقع بها الاشتراك في العلم الذي يقتضي التنزيه من جهة دليل العقل ومن ليس كمثله شئ في دليل السمع فيبقى العلم بالله على أصله من طهارة التنزيه عقلا وشرعا مع كوننا نصفه بمثل هذه الصفات التي توهم التشبيه فإنه ما غيرت أوصافه تعالى فيثبت كل ذلك له مع تحقق ليس كمثله شئ وأما حكم القليل والكثير في ذلك واختلاف الناس في النجاسة إن كان الماء قليلا فالقلة والكثرة في الماء الطهور هو راجع إلى الأدلة الحاصلة عند العالم بالله فإن كان صاحب دليل واحد وطرأت عليه في علمه بتنزيه الحق في أي وجه كان شبهة أثرت في دليله زال كونه علما كما زال كون هذا الماء طاهرا مطهرا وإن كان صاحب أدلة كثيرة على مدلول واحد فإن الشبهة تستهلك فيه فإنها إذا قدحت في دليل منها لم يلتفت إليها واعتمد على باقي أدلته فلم تؤثر هذه الشبهة في علمه وإنما أثرت في دليل خاص لا في جميع أدلته فهذا معنى الكثرة في الماء الذي لا تغير النجاسة حكمه وأما من قال بترك الحد في ذلك وإن الماء يفسد فإنه يعتبر أحدية العين لا أحدية الدليل فيقول إن العلم تقدح فيه هذه الشبهة في زمان تصوره إياها والزمان دقيق فربما مات في ذلك الزمان وهو غير مستحضر سائر الأدلة لضيق الزمان فيفسد عنده وفي هذا الباب تفريع كثير لا يحتاج إلى إيراده وهذا القدر قد وقع به الاكتفاء في المطلوب (باب الماء يخالطه شئ طاهر مما ينفك عنه غالبا متى غير أحد أوصافه الثلاثة) أما الماء الذي يخالطه شئ طاهر مما ينفك عنه غالبا متى غير أحد أوصافه الثلاثة فإنه طاهر غير مطهر عند الجميع إلا بعض الأئمة فإنه عنده مطهر ما لم يكن التغير عن طبخ (وصل حكم الباطن) فأما حكم الباطن في ذلك فهو أن العلم بالله من حيث العقل الذي حصل له من طريق الفكر إذا خالطه وصف شرعي مما جاء الشرع به فإن ذلك العلم بالله طاهر في نفسه غير مطهر لما دل عليه من صفة التشبيه كقولهم في صفة كلام الله إنه كسلسلة على صفوان فأتى بكاف الصفة والشرع كله ظاهر مقبول ما جاء به فلم يقدر العقل ينفك عن دليله في نفي التشبيه وسلم للشرع ما جاء به من غير تأويل ومن رأى أنه مطهر على أصله ما لم يطبخ فأراد بالطبخ الأمر الطبيعي وهو أن لا يأخذ ذلك الوصف من الشارع الذي هو مخبر عن الله وأخذه عن فهمه ونظره بضرب قياس على نفسه من حيث إمكانه وطبيعته فهو طاهر غير مطهر فاعلم ذلك (باب في الماء المستعمل في الطهارة) الماء المستعمل في الطهارة اختلف فيه علماء الشريعة على ثلاثة مذاهب فمن قائل لا تجوز الطهارة به ومن قائل تجوز الطهارة به وبه أقول ومن قائل بكراهة الطهارة به ولا يجوز التيمم بوجوده وقول رابع شاذ وهو أنه نجس (وصل حكم الباطن في ذلك) فأما حكم الباطن فيه فاعلم إن سبب هذا الخلاف هو أنه لا يخلو أن ينطلق على ذلك الماء اسم الماء المطلق أو لا ينطلق فمن رأى أنه ينطلق قال بجواز الطهارة به ومن رأى أنه قد أثر في إطلاقه استعماله لم يجز ذلك أو كرهه على قدر ما يقوى عنده وأما من قال بنجاسته فقول غير معتبر وإن كان القائل به من المعتبرين وهو أبو يوسف فاعلم إن العلم بتوحيد الله هو الطهور على الإطلاق فإذا استعملته في أحدية الأفعال ثم بعد هذا الاستعمال رددته إلى توحيد الذات اختلف العلماء بالله بمثل هذا الاختلاف في الماء المستعمل فمن العارفين من قال إن هذا التوحيد لا يقبله الحق من حيث ذاته فلا يستعمل بعد ذلك في العلم بالذات ومن العارفين من قال يقبله لأنا ما أثبتنا عينا زائدة والنسب ليست بأمر وجودي فتؤثر في توحيد الذات فبقي العلم بالتوحيد على أصله من الطهارة وأما من قال بأنه نجس فإن التوحيد المطلق لا ينبغي إلا لله تعالى فإذا استعملت هذا التوحيد في أحدية كل أحد التي بها يقع له التمييز عن غيره فقد صار لها حكم الكون الممكن فهذا معنى النجاسة فلا ينبغي أن ينسب إلى الله مثل هذا التوحيد لأن تمييزه في أحديته عن خلقه ليس عن اشتراك كما تتميز الممكنات بعضها عن بعض بخصوص وصفها وهي أحديتها (باب في طهارة أسئار المسلمين وبهيمة الأنعام)
(٣٥٢)