عنها وما رأيت في زماننا من يحافظ عليها من الفقهاء إلا صاحبنا زين الدين يوسف بن إبراهيم الشافعي الكردي وفقه الله لذلك وفي هاتين الركعتين قبل صلاة المغرب من الأجر ما لا يعلمه إلا الله فإن لله بين كل أذان وإقامة تجل خاص واطلاع فمن ناجاه في ذلك الوقت اختص بأمر عظيم وهو كما قلنا في الخبر المروي الذي صححه الكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة يريد الأذان والإقامة فسماها أذانا لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة وحضور الإمام كما يقال في الشمس والقمر القمران في لسان العرب وكذلك العمران في أبي بكر وعمر وهي صلاة الأولياء الأوابين وكان الصدر الأول شديد المحافظة عليهما وسبب ذلك التوفيق الإلهي أن النفل عبودية اختيار والفرض عبودية اضطرار فيحتاج في عبودية الاضطرار إلى حضور تام بمعرفة ما ينبغي للسيد المعبود من الآداب والجلال والتنزيه فتقوم عبودية الاختيار لها كالرياضة للنفس وكالعزلة بين يدي الخلوة فإن دخول العبد للفرض من النفل ما يكون مثل دخوله من الفعل المباح لأنه لا بد أن يبقى للداخل في خاطره مما تقدم له قبل دخوله أثر فلهذا حافظ عليهما من حافظ وركعتا الفجر كذلك فإن النافلة قبل الفريضة صدقة من الشخص على نفسه يقول الله إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة فما ظنك بمناجاة الحق تعالى آكد وأوجب وحكم ركعتي الفجر سنة بالاتفاق فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضاها بعد طلوع الشمس حين نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فصلاهما ثم صلى الصبح وما هي عندنا قضاء وأنه صلاها في وقتها كما صلى الصبح في وقتها فإن ذلك وقت صلاة النائم والناسي فلا يقال قضاها على اصطلاح الفقهاء (وصل في فصل القراءة في ركعتي الفجر) استحب بعضهم أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فقط وقال بعض العلماء لا بأس أن يضيف إلى أم القرآن سورة قصيرة وقال بعضهم ليس في القراءة في ركعتي الفجر توقيت يستحب والذي أذهب إليه أن يوجز فيهما ويخفف في كمال بلا توقيت والفاتحة لا بد منها فإنها عين الصلاة في الصلاة ومن لم يقرأ بها في صلاته فما صلى وقد وردت السنة بتحسينهما وإن زاحمك الوقت (وصل في اعتبار هذا الفصل) سبب التخفيف فيها من السنة للخبر الوارد أن مقدار الزمان في محاسبة الله عباده يوم القيامة بأجمعهم كركعتي الفجر فكان يخففهما رحمة بأمته وهي بالجملة صلاة فحكمها حكم الصلاة وما عدا الفرائض وإن كانت عبودية اختيار فإن في ركعتي الفجر شبهة عبودية اضطرار لما تتضمنه صلاة النفل من الفرائض فالعبد في النافلة وما عدا الفرائض من الصلوات بمنزلة عبد قد عتق منه شقص أو بمنزلة المكاتب أو بمنزلة المدبر فإن في هؤلاء من روائح الحرية ما ليست للعبد الذي ما له هذه الحالات فالسنن من النوافل حال العبودية فيها حال المكاتب والمدبر والنافلة التي ليست بسنة أي ليست من فعله صلى الله عليه وسلم دائما ولا من نطقه بتعيينه بمنزلة عبد عتق منه شقص فهو حر من حيث إنه عتق منه ما عتق وهو عبد من حيث ما بقي منه دون عتق ما بقي فهذه حالة في العبودية بين عبودية الاضطرار وعبودية الاختيار كالسنن بين الفرائض والنوافل سواء فأما من رأى في القراءة فيها الفاتحة فقط فلأنها الكافية فإن بها يصح أنه صلى وأما من زاد السورة بعد الفاتحة فليعلم المنزلة التي حصلت له من هذه الخاصة لأن السورة بالسين هي المنزلة قال النابغة في ممدوحه أ لم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب بأنك شمس والملوك كواكب * إذا طلعت لم يبد منهن كوكب وسور القرآن منازله وكما أنه لكل سورة آيات كذلك لكل منزلة لأحد عند الله دلالات وأوضحها المعرفة بالله فالتأييد في الإفصاح عنها وهذه الدلالة سيدة الدلالات كآية الكرسي سيدة آي القرآن فهو قرآن من حيث ما اجتمع العبد والرب في الصلاة وهو فرقان من حيث ما تميز به العبد من الرب مما اختص به في القراءة من الصلاة والعبد في الفاتحة قد أبان الحق بمنزلته فيها وأنه لا صلاة له إلا بها فإنه تعرفه بمنزلته من ربه وأنها منزلة مقسمة بين عبد ورب كما ثبت فينبغي للعبد أن يقرأ سورة بعد الفاتحة من غير أن تتقدمه روية فيما يقرأ من السور أو الآيات من سورة واحدة أو من سور فإن تقدم الرواية في تعيين ما يقرأ بعد الفاتحة يقدح في علم من يريد الوقوف على وجه الحق في منزلته عند الله فهو الخاطر الأول
(٤٩٢)