(بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب السابع والأربعون) في معرفة أسرار وصف المنازل السفلية ومقاماتها وكيف يرتاح العارف عند ذكره بدايته فيحن إليها مع علو مقامه وما السر الذي يتجلى له حتى يدعوه إلى ذلك ولما رأيت الحق بالأول اتصف * أتيت إلى بحر البداية اغترف بلذة ظمئان لا شرب شربة * فيشهدني في غاية الحال اعترف فيا بردها من شربة مستلذة * على كبد حراء فاعمل لها وقف فإن لذاك الشرب في القلب لذة * ترى ربها في الوقت بالعجب يتصف ولا يحجبنه عجبه عن شهوده * ولا ما يرى فيه من الزهو والصلف فإن له فيمن تقدم أسوة * فما خلف إلا ومثل لها سلف وراثة مختار ونعت محقق * بأسماء حق بالحقيقة مكتنف وإن نهايات الرجال بداية * لقوم أتوا من بعدهم ما لهم خلف كمثل رسول الله في طوره فما * له خلف بل عنده الأمر قد وقف اعلم أن العالم لما كان أكرى الشكل لهذا حن الإنسان في نهايته إلى بدايته فكان خروجنا من العدم إلى الوجود به سبحانه وإليه نرجع كما قال عز وجل وإليه يرجع الأمر كله وقال واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله وقال وإليه المصير وإلى الله عاقبة الأمور ألا تراك إذا بدأت وضع دائرة فإنك عند ما تبتدئ بها لا تزال تديرها إلى أن تنتهي إلى أولها وحينئذ تكون دائرة ولو لم يكن الأمر كذلك لكنا إذا خرجنا من عنده خطا مستقيما لم نرجع إليه ولم يكن يصدق قوله وهو الصادق وإليه ترجعون وكل أمر وكل موجود فهو دائرة يعود إلى ما كان منه بدؤه وأن الله تعالى قد عين لكل موجود مرتبته في علمه فمن الموجودات من خلقت في مراتبها ووقفت ولم تبرح فلم يكن لها بداية ولا نهاية بل يقال وجدت فإن البدء ما تعقل حقيقته إلا بظهور ما يكون بعده مما ينتقل إليه وهذا ما انتقل فعين بدئه هو عين وجوده لا غير ومن الموجودات ما كان وجودها أولا في مراتبها ثم نزل بها إلى عالم طبيعتها وهي الأجسام المولدة من العناصر ولا كلها بل أجسام الثقلين وأقام الله لها في تلك المرتبة المعينة لها التي أنزلت منها على غير علم منها بها داعيا يدعو كل شخص إليها فلا يزال يرتقي بالأعمال الصالحة حتى يصل إليها أو يطلبها بالأعمال التي لا يرتضيها الحق فداعي الحق إذا قام بقلب العبد إنما يدعوه من مقامه الذي تكون غايته إليه إذا سلك ولما كان كل وارد ملذوذا لذيذا فإنه جديد غريب لطيف لهذا يحن إليه دائما ومن ذلك حب الأوطان قال ابن الرومي وحبب أوطان الرجال إليهمو * مآرب قضاها الشباب هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمو * عهود الصبي فيها فحنو الذلكا ولما لم يتمكن للتائب أن يرد عليه وارد التوبة إلا حتى ينتبه من سنة الغفلة فيعرف ما هو فيه من الأعمال التي مالها إلى هلاكه وعطبه خاف ورأى أنه في أسر هواه وأنه مقتول بسيف أعماله القبيحة فقال له حاجب الباب قد رسم الملك أنك إذا أقلعت عن هذه المخالفات ورجعت إليه ووقفت عند حدوده ومراسمه أنه يعطيك الأمان من عقابه ويحسن إليك ويكون من جملة إحسانه أن كل قبيح أتيته ترد صورته حسنة ثم أعطاه التوقيع الإلهي فإذا فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم الذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ولما قرأ وحشي هذا التوقيع قال ومن لي بأن أوفق إلى العمل الصالح الذي اشترطه علينا في التبديل
(٢٥٥)