لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا فاتفقت أصولهم من غير خلاف في شئ من ذلك وفرقوا في هذه السياسات النبوية المشروعة من عند الله بينها وبين ما وضعت الحكماء من السياسات الحكمية التي اقتضاها نظرهم وعلموا أن هذا الأمر أتم وأنه من عند الله بلا شك فقبلوا ما أعلمهم به من الغيوب وآمنوا بالرسل وما عابد أحد منهم إلا من لم ينصح نفسه في علمه واتبع هواه وطلب الرياسة على أبناء جنسه وجهل نفسه وقدره وجهل ربه فكان أصل وضع الشريعة في العالم وسببها طلب صلاح العالم ومعرفة ما جهل من الله مما لا يقبله العقل أي لا يستقل به العقل من حيث نظره فنزلت بهذه المعرفة الكتب المنزلة ونطقت بها ألسنة الرسل والأنبياء عليهم السلام فعلمت العقلاء عند ذلك أنها نقصها من العلم بالله أمور تممتها لهم الرسل ولا أعني بالعقلاء المتكلمين اليوم في الحكمة وإنما أعني بالعقلاء من كان على طريقتهم من الشغل بنفسه والرياضات والمجاهدات والخلوات والتهيؤ لواردات ما يأتيهم في قلوبهم عند صفائها من العالم العلوي الموحي في السماوات العلى فهؤلائك أعني بالعقلاء فإن أصحاب اللقلقة والكلام والجدل الذين استعملوا أفكارهم في مواد الألفاظ التي صدرت عن الأوائل وغابوا عن الأمر الذي أخذها عنه أولئك الرجال وأما أمثال هؤلاء الذين عندنا اليوم لا قدر لهم عند كل عاقل فإنهم يستهزئون بالدين ويستخفون بعباد الله ولا يعظم عندهم إلا من هو معهم على مدرجتهم قد استولى على قلوبهم حب الدنيا وطلب الجاه والرياسة فأذلهم الله كما أذلوا العلم وحقرهم وصغرهم وألجأهم إلى أبواب الملوك والولاة من الجهال فأذلتهم الملوك والولاة فأمثال هؤلاء لا يعتبر قولهم فإن قلوبهم قد ختم الله عليها وأصمهم وأعمى أبصارهم مع الدعوى العريضة أنهم أفضل العالم عند نفوسهم فالفقيه المفتي في دين الله مع قلة ورعه بكل وجه أحسن حالا من هؤلاء فإن صاحب الايمان مع كونه أخذه تقليدا هو أحسن حالا من هؤلاء العقلاء على زعمهم وحاشى العاقل أن يكون بمثل هذه الصفة وقد أدركنا ممن كان على حالهم قليلا وكانوا أعرف الناس بمقدار الرسل ومن أعظمهم تبعا لسنن الرسول صلى الله عليه وسلم وأشدهم محافظة على سننه عارفين بما ينبغي لجلال الحق من التعظيم عالمين بما خص الله عباده من النبيين وأتباعهم من الأولياء من العلم بالله من جهة الفيض الإلهي الاختصاصي الخارج عن التعلم المعتاد من الدرس والاجتهاد ما لا يقدر العقل من حيث فكره أن يصل إليه ولقد سمعت واحدا من أكابرهم وقد رأى مما فتح الله به علي من العلم به سبحانه من غير نظر ولا قراءة بل من خلوة خلوت بها مع الله ولم أكن من أهل الطلب فقال الحمد لله الذي أنا في زمان رأيت فيه من آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما فالله يختص من يشاء برحمته والله ذو الفضل العظيم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السابع والستون في معرفة لا إله إلا الله محمد رسول الله وهو الايمان) شهد الله لم يزل أزلا * أنه لا إله إلا هو 7 الله ثم أملاكه بذا شهدت * أنه لا إله إلا هو الله وأولو العلم كلهم شهدوا * أنه لا إله إلا هو الله ثم قال الرسول قولوا معي * إنه لا إله إلا هو الله أفضل ما قلته وقال به * من قبلنا لا إله إلا هو الله ما عدا الإنس كلهم شهدوا * أنه لا إله إلا هو الله قال الله جل ثناؤه في كتابه العزيز شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ثم قال إن الدين عند الله الإسلام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الحديث فقال سبحانه وأولوا العلم لم يقل وأولو الايمان فإن شهادته بالتوحيد لنفسه ما هي عن خبر فيكون إيمانا ولهذا الشاهد فيما يشهد به لا يكون إلا عن علم وإلا فلا تصح شهادته ثم إنه عز وجل عطف الملائكة وأولي العلم على نفسه بالواو وهو حرف يعطي الاشتراك ولا اشتراك هنا إلا في الشهادة قطعا ثم أضافهم إلى العلم لا إلى الايمان فعلمنا أنه أراد من حصل له التوحيد من طريق العلم النظري أو الضروري لا من طريق الخبر كأنه يقول
(٣٢٥)