الكشف بالليل كما لصاحب النور فالليل والصباح عنده سواء فهذا معنى قوله أفلا تعقلون فإن ادعت لك نفسك أنك من أهل الليل فانظر هل لها قدم وكشف فيما ذكرت لك فهو المحك والمعيار ولكل ليل في القرآن أمور وعلوم لا يعرفها إلا أهل الليل خاصة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني والأربعون في معرفة الفتوة والفتيان ومنازلهم وطبقاتهم وأسرار أقطابهم) وفتيان صدق لا ملالة عندهم * لهم قدم في كل فضل ومكرمة مقسمة أحوالهم في جليسهم * فهم بين توقير لقوم ومرحمه وإن جاء كفؤ آثروه ببرهم * ولا تلحق الفتيان في ذاك مندمة لهم من خفايا العلم كل شعيرة * وما هو موسوم لديهم بسمسمه كنجل قسي والذي كان قبله * ومن كان منهم ممن الله أعلمه بذلك حاز والسبق في كل حلبة * فليس يجيبون السفيه بلفظ مه بميمنة خصوا تعالى مقامها * وليس لها ضد يسمى بمشامه فكلتا يدي ربي يمين كريمة * وإن كريم القوم من كان أكرمه إذا خلع الولي على أهله ترى * ملابسهم بين الملابس معلمه اعلم أن للفتوة مقام القوة وما خلق الله من الطبيعة أقوى من الهواء وخلق الإنسان أقوى من الهواء إذا كان مؤمنا كذا ورد في الخبر النبوي عن الله تعالى مع الملائكة لما خلق الأرض وجعلت تميد الحديث بكماله وفي آخره يا رب فهل خلقت شيئا أشد من الريح قال نعم المؤمن يتصدق بيمينه ما تعرف بذلك شماله وقال تعالى إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فنعت الرزاق بالقوة لوجود الكفران بالمنعم من المرزوقين فهو يرزقهم مع كفرهم به ولا يمنع عنهم الرزق والإنعام والإحسان بكفرهم مع أن الكفر بالنعم سبب مانع يمنع النعمة فلا يرزق الكافر مع وجود الكفر منه لما رزقه إلا من له القوة فلهذا نعته بذي القوة المتين فإن المتانة في القوة تضاعفها فما اكتفى سبحانه بالقوة حتى وصف نفسه بأنه المتين فيها إذ كانت لقوة لها طبقات في التمكن من القوي فوصف نفسه بالمتانة وهذه صفة أهل الفتوة فإن الفتوة ليس فيها شئ من الضعف إذ هي حالة بين الطفولة والكهولة وهو عمر الإنسان من زمان بلوغه إلى تمام الأربعين من ولادته يقول الله تعالى في هذا المقام الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة وذلك حال الفتوة وفيها يسمى فتى وما قرن معها شيئا من الضعف ثم قال سبحانه وتعالى ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يعني ضعف الكهولة إلى آخر العمر وشيبة يعني وقارا أي سكونا لضعفه عن الحركة فإن الوقار من الوقر وهو الثقل فقرن مع هذا الضعف الثاني الشيبة التي هي الوقار فإن الطفل وإن كان ضعيفا فإنه متحرك جدا واختلف في حركته هل هي من الطبيعة أو من الروح روى أن إبراهيم عليه السلام لما رأى الشيب قال يا رب ما هذا قال الوقار قال اللهم زدني وقارا فهذا حال الفتوة ومقامها وأصحابها يسمون الفتيان وهم الذين حازوا مكارم الأخلاق أجمعها ولا يتمكن لأحد أن يكون حاله مكارم الأخلاق ما لم يعلم المحال التي يصرفها فيها ويظهر بها فالفتيان أهل علم وافر وقد أفردنا لها بابا في داخل هذا الكتاب حين تكلمنا على المقامات والأحوال فمن ادعى الفتوة وليس عنده علم بما ذكرناه فدعواه كاذبة وهو سريع الفضيحة فلا ينبغي يسمى فتى إلا من علم مقادير الأكوان ومقدار الحضرة الإلهية فيعامل كل موجود على قدره من المعاملة ويقدم من ينبغي أن يقدم ويؤخر ما ينبغي أن يؤخر وتفاصيل هذا المقام وحكم الطائفة فيه استوفيناه في رسالة الأخلاق التي كتبنا بها للفخر محمد بن عمر بن خطيب الري رحمه الله فلنذكر منها في هذا الباب الأصل الذي ينبغي أن يعول عليه وذلك أنه ليس في وسع الإنسان أن يسع العالم بمكارم أخلاقه إذ كان العالم كله واقفا مع غرضه أو إرادته لا مع ما ينبغي فلما اختلفت الأغراض والإرادات وطلب كل صاحب غرض أو إرادة من الفتى أن يعامله بحسب غرضه وإرادته والأغراض متضادة فيكون غرض زيد في عمر وأن يعادي خالدا ويكون غرض خالد في زيد أن يعادي عمرا أو غرضه أن يواليه ويحبه
(٢٤١)