الأصل الأقرب إليه جانب أمه فإنه ابن أمه بلا شك ألا ترى إلى السنة في تلقين الميت عند حصوله في قبره يقال له يا عبد الله ويا ابن أمة الله فينسب إلى أمه سترا من الله عليها فأضيف إلى أمه لأنها أحق به لظهور نشأته ووجود عينه فهو لأبيه ابن فراش وهو ابن لأمه حقيقة فافهم ما أعطيناك من المعرفة بك في هذا الباب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثالث والخمسون في معرفة ما يلقي المريد على نفسه من الأعمال قبل وجود الشيخ) إذا لم تلق أستاذا * فكن في نعت من لاذا وقطع نفسه والليل * أفلاذا فافلاذا وتسبيحا وقرآنا * فاسهده بمن حاذى وأضعفه وأحياه * فلما لم يقل ما ذا فكان له الذي يبغيه * تلميذا وأستاذا وجاءته معارفه * زرافات وأفذاذا فهذا قد أبنت له * فلا ينفك عن هذا اعلم أيدك الله ونورك أنه أول ما يجب على الداخل في هذه الطريقة الإلهية المشروعة طلب الأستاذ حتى يجده وليعمل في هذه المدة التي يطلب فيها الأستاذ الأعمال التي أذكرها به وهي أن يلزم نفسه تسعة أشياء فإنها بسائط الأعداد فيكون له في التوحيد إذا عمل عليها قدم راسخة ولهذا جعل الله الأفلاك تسعة أفلاك فانظر ما ظهر من الحكمة الإلهية في حركات هذه التسعة فاجعل منها أربعة في ظاهرك وخمسة في باطنك فالتي في ظاهرك الجوع والسهر والصمت والعزلة فاثنان فاعلان وهما الجوع والعزلة واثنان منفعلان وهما السهر والصمت وأعني بالصمت ترك كلام الناس والاشتغال بذكر القلب ونطق النفس عن نطق اللسان إلا فيما أوجب الله عليه مثل قراءة أم القرآن أو ما تيسر من القرآن في الصلاة والتكبير فيها وما شرع من التسبيح والأذكار والدعاء والتشهد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تسلم منها فتتفرع لذكر القلب بصمت اللسان فالجوع يتضمن السهر والصمت تتضمنه العزلة وأما الخمسة الباطنة فهي الصدق والتوكل والصبر والعزيمة واليقين فهذه التسعة أمهات الخير تتضمن الخير كله والطريقة مجموعة فيها فألزمها حتى تجد الشيخ (وصل شارح) وأنا أذكر لك من شأن كل واحدة من هذه الخصال ما يحرضك على العمل بها والدؤوب عليها والله ينفعنا وإياك وبجعلنا من أهل عنايته ولنبتدئ بالظاهرة أولا ولنقل أما العزلة وهي رأس الأربعة المعتبرة التي ذكرناها عند الطائفة أخبرني أخي في الله تعالى عبد المجيد بن سلمة خطيب مرشانة الزيتون من أعمال إشبيلية من بلاد الأندلس وكان من أهل الجد والاجتهاد في العبادة فأخبرني سنة ست وثمانين وخمسمائة قال كنت بمنزلي بمرشانة ليلة من الليالي فقمت إلى حزبي من الليل فبينا أنا واقف في مصلاي وباب الدار وباب البيت علي مغلق وإذا بشخص قد دخل علي وسلم وما أدري كيف دخل فجزعت منه وأوجزت في صلاتي فلما سلمت قال لي يا عبد المجيد من تأنس بالله لم يجزع ثم نفض الثوب الذي كان تحتي أصلي عليه ورمى به وبسط تحتي حصيرا صغيرا كان عنده وقال لي صل على هذا قال ثم أخذني وخرج بي من الدار ثم من البلد ومشى بي في أرض لا أعرفها وما كنت أدري أين أنا من أرض الله فذكرنا الله تعالى في تلك الأماكن ثم ردني إلى بيتي حيث كنت قال فقلت له يا أخي بما ذا يكون الأبدال أبدالا فقال لي بالأربعة التي ذكرها أبو طالب في القوت ثم سماها لي الجوع والسهر والصمت والعزلة قلبا ثم قال لي عبد المجيد هذا هو الحصير فصليت عليه وهذا الرجل كان من أكابرهم يقال له معاذ بن أشرس فأما العزلة فهي أن يعتزل المريد كل صفة مذمومة وكل خلق دنئ هذه عزلته في حاله وأما في قلبه فهو أن يعتزل بقلبه عن التعلق بأحد من خلق الله من أهل ومال وولد وصاحب وكل ما يحول بينه وبين ذكر ربه بقلبه حتى عن خواطره ولا يكن له هم إلا واحد وهو تعلقه بالله وأما في حسه فعزلته في ابتداء حاله الانقطاع عن الناس وعن المألوفات إما في بيته وإما بالسياحة في أرض الله فإن كان في مدينة فبحيث لا يعرف وإن لم يكن في مدينة فيلزم السواحل والجبال
(٢٧٧)