اختلف الناس فيمن يريد الحج أو العمرة فيمر على ميقات وأمامه ميقات آخر فلم يحرم في الأول وتعدى إلى الآخر كالمار بذي الحليفة فلم يحرم وتعدى إلى الجحفة فإنها في طريقه فقال قوم عليه دم وقال قوم ليس عليه شئ فمن راعى المسارعة إلى التلبس بالعبادة أعني بهذه العبادة الخاصة ورأى أن المسارعة إلى الخيرات سنة مؤكدة قال إن عليه دما في تعديها ومن رأى أن الأصل في الدين رفع الحرج وقول الله تعالى يريد الله بكم اليسر فإرادة موافقة الحق فيما أراده أولى وكل عبادة فأخر وقال لا دم عليه فالعارف إذا كان مشهده الاسم الأول المقيد بالآخر الأول المطلق الذي لا يتقيد بالآخر رأى أن التلبس بالعبادة في الآخر الذي لا يجوز تعديه ولا فسحة فيه أولى فإنه فيه صاحب فرض من كل وجه لا يسعه تركه ومن رأى أن التلبس بهذه العبادة بحكم الاسم الأول أولى لكونه لا علم له بإتمامها فلا يدري هل يموت قبل أن يتلقاه الاسم الآخر فإن لم يحرم فارق موطن التكليف وهو لم يتلبس بعبادة الله اقتضاها له الموطن فحرم تجليها الإلهي فهو بحسب ما أشهده الحق وما خرج في هذا كله عن حكم اسم إلهي من الأسماء على شهود منه فإن قيل كيف يتعداه غير متلبس بهذه العبادة والميقات يقضى عليه بسلطانه وهو الاسم الأول قلنا لا حكم للأسماء في الأشياء إلا باستعدادات الأشياء للقبول وقبولها بحسب الحال التي تكون عليها في نفسها من ذاتها فإن الأسباب الخارجة الموجبة لأمر ما تضعف عن مقاومة الأسباب الداخلة التي في المكلف فربما يكون حال هذا المتعدي حال الختم فيطلبه بالتأخير فيعرف ذلك الاسم الأول فيضعف موطن ميقاته عن التأثير فيه لأنه ليس عين مشهده فيتعدى إلى الميقات الثاني لأن له الاسم الآخر ولا شك أن الآخر في الطريق يتضمن حكمه ما تقدمه مضافا إلى خصوصيته بخلاف الأول فالأول يدرج في الثاني وليس الثاني مدرجا في الأول ومن أصول القوم أن العارف لو جلس مع الله كذا وكذا سنة وفاتته لحظة من الله في وقته كان الذي فإنه في تلك اللحظة أكثر مما ناله قبل ذلك وسببه أن كل لحظة إلهية متأخرة تتضمن ما تقدمها من اللحظات وفيها خصوصيتها التي بها تميزت وبتلك الخصوصية صحت لها الكثرة على ما تقدمها فلهذا لم ير بالتعدي بأسا محمد صلى الله عليه وسلم آخر المرسلين فحصل جميع مقامات الرسل وزاد بخصوصيته بلا شك لأنه آخر النبيين وفي هذا إشارة لمن فهم فإن قيل إذا تلبس بالعبادة أولا ومر على الآخر وهو متلبس فقد حصل له ما في الآخر بمروره متلبسا بها قلنا هكذا هو إلا أنه لم يحصل له في الثاني الحكم الخاص بالثاني الذي هو الإنشاء منه وهو أوليته فيفوته أولية الإنشاء منه لهذه العبادة بالاسم الآخر فلهذا تعدى إليه قال السائل كذلك أيضا يفوته أولية الأول في الإنشاء قلنا إن كل أولية مضافة تحكم عليها حقيقة الأولية التي لا تضاف وهي المعتبرة فما فاته ما يتحسر عليه إذ حقيقتها موجودة في أولية الآخر والآخر لا وجود له في الأول ومن نظر في الأسماء بهذه العين علم كيف يقبل تصريفها فيه ويعين لها من ذاته ما يليق بها على شهود منه وبينة وعلم صحيح وبهذا يتميز لأنه في نفس الأمر كذا هو ما يتلقاه منه إلا ما يليق به ولكن لا علم لكل أحد بذلك وبهذا تتفاوت الناس ويرفع الله درجات بعضهم على بعض ويعلم أيضا كيف يصرفها في غيره إذا مكنته من نفسها أو مكنه منها حاله لأنه ليس في الحقيقة أن يقوم بك العلم ولا تكون عالما فهذا هو التمكن الحالي الذي تقتضيه ذاته ولا يصح غيره لأن المعاني توجب أحكامها لمن قامت به ولولا ذلك ما صح وجود العالم عن الحق ألا ترى أن المحال لما لم يكن في استعداده قبول ما يقبله الممكن من الوجود لم يكن له وجود ولا يصح كالشريك لله تعالى في ألوهيته ولما كان الممكن في استعداده الذاتي قبول الإيجاد وجد فلا تغب عن حقائق الأمور فإنها تتداخل في حكم الناظر فيها لا في نفسها ومن غاب عن الحقائق هوى في مهاوي الجهالات ويفوته درجة العلم الذي أمر الله نبيه بطلب الزيادة منه فلا شئ أشرف من العلم ولم يأمر بطلب زيادة في غيره من الصفات لأنه الصفة العامة التي لها الإحاطة بكل صفة وموصوف (وصل في فصل الأفاقي يمر على الميقات يريد مكة ولا يريد الحج ولا العمرة) اختلف العلماء فيمن ليس من أهل مكة يريد مكة ولا يريد حجا ولا عمرة ومر على ميقات من المواقيت هل يلزمه الإحرام أم لا إذا لم يكن ممن يكثر التردد إلى مكة فقال قوم يلزمه الإحرام وقال قوم لا يلزمه الإحرام وبه أقول رجال الله على نوعين رجال يرون أنهم مسيرون ورجال يرون أنهم يسيرون فمن رأى أنه مسير لزمه الإحرام
(٦٧٦)