لذاته هو رب فلا يتصف العبد بشئ من صفات الحق بالمعنى الذي اتصف بها الحق ولا الحق يتصف بما هو حقيقة للعبد فالجنب لا يمس المصحف أبدا بهذا الاعتبار ولا ينبغي أن يقرأه في هذه الحال وينبغي للعبد أن لا تظهر عليه إلا العبادة المحضة فإنه جنب كله فلا يمس المصحف فإن تخلق فحينئذ تكون يد الحق تمس المصحف فإنه قال عن نفسه في العبد إذا أحبه أنه يده التي يبطش بها فانظر في هذا القرب المفرط وهذا الاتحاد أين هو من بعد الحقائق والله ما عرف الله إلا الله فلا تتعب نفسك يا صاحب النظر ودر مع الحق كيفما دار وخذ منه ما يعرفك به من نفسه ولا تقس فتفتلس لا بل تبتئس وتعلم أن يد الحق طاهرة على أصلها مقدسة كطهارة الماء المستعمل في العبادة فتنبه لما عرفتك به في هذا الفصل (باب قراءة القرآن للجنب) اختلف علماء الشريعة في ذلك فمن الناس من منع قراءة القرآن للجنب بحد وبغير حد ومن الناس من أجاز ذلك وأما الوارث عندي فلا يقرأ القرآن جنبا اقتداء بمن ورثه لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ولم يكن يحجزه عن قراءة القرآن شئ ليس الجنابة ولكن الغالب عندي من قرينة الحال أنه كره أن يذكر الله تاليا إلا على طهارة كاملة فإنه تيمم لرد السلام وقال إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال على طهارة ومن الناس من أجاز للجنب قراءة القرآن بحد وبغير حد وبه أقول بغير حد أيضا ولكن أكرهه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم (وصل الاعتبار في ذلك) المقتدى بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنع من قراءة القرآن في الجنابة بغير حد وقد أعلمناك أن الجنابة هي الغربة والغربة نزوح الشخص عن موطنه الذي ربي فيه وولد فيه فمن اغترب عن موطنه حرم عليه الاتصاف بالأسماء الإلهية في حال غربته قال تعالى ذق إنك أنت العزيز الكريم كما كان عند نفسه في زعمه فإنه تغرب عن موطنه فهو صاحب دعوى والذي أقول في هذه المسألة لأهل التحقيق أن القرآن ما سمي قرآنا إلا لحقيقة الجمعية التي فيه فإنه يجمع ما أخبر الحق به عن نفسه وما أخبر به عن مخلوقاته وعباده مما حكاه عنهم فلا يخلو هذا الجنب في تلاوته إذا أراد أن يتلو إما أن ينظر ويحضر في أن الحق يترجم لنا بكلامه ما قال عباده أو ينظر فيه من حيث المترجم عنه فإن نظر من حيث المترجم عنه فيتلو وبالأول فلا يتلو حتى يتطهر في باطنه وصورة طهارة باطنه أن يكون الحق لسانه الذي يتكلم به كما كان الحق يده في مس المصحف فيكون الحق إذ ذاك هو يتلو كلامه لا العبد الجنب ثم إنه للعارف فيما يتلوه الحق عليه من صفات ذاته مما لا يخبر به عن أحد من خلقه ومن كونه كلم عبده بهذا القرآن فليس المقصود من ذلك التعريف إلا قبوله وقبوله لا يكون إلا بالقلب فإذا قبله الايمان لم يمتنع من التلفظ به فإن القرآن في حقنا نزل ولهذا هو محدث الإتيان والنزول قديم من كونه صفة المتكلم به وهو الله وإنما قول من قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا يحجزه عن قراءة القرآن شئ ليس الجنابة فما هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول الراوي وما هو معه في كل أحيانه فالحاصل منه أن يقول ما سمعته يقرأ القرآن في حال جنابته أي ما جهر به ولا يلزم قارئ القرآن الجهر به إلا فيما شرع الجهر به كتلقين المتعلم وكصلاة الجهر والنهي ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وما ورد والخير لا يمنع منه (باب الحكم في الدماء) اعلم أن الدماء ثلاثة دم حيض ودم استحاضة ودم نفاس وهذه كلها مخصوصة بالمرأة لا حكم للرجل فيها فليكن الاعتبار في ذلك للنفس فإن الغالب عليها التأنيث فإن الله قال فيها النفس اللوامة والمطمئنة فأنثها ولا حظ للقلب في هذه الدماء ولا للروح فنقول إن أهل الطريق من المتقدمين وجماعة من غيرهم ممن اشترك مع أهل الله في الرياضات والمجاهدات من العقلاء قد أجمعوا على أن الكذب حيض النفوس فليكن الصدق على هذا طهارة النفس من هذا الحيض فدم الحيض ما خرج على وجه الصحة ودم الاستحاضة ما خرج على وجه المرض فإنه خرج لعلة ولهذا حكم فاعتباره أن حيض النفس وهو الكذب وهو كما قلنا دم يخرج على وجه الصحة فهو الكذب على الله الذي يقول الله تعالى فيه ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شئ وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فقوله متعمدا هو خروجه على وجه الصحة وأما صاحب الشبهة فلا فهذا يكذب
(٣٦٧)