فإذا فرع المصلي من قراءة فاتحة الكتاب قرأ ما تيسر له من القرآن وما يجري الله على لسانه منه من غير أن يختار آية معينة أو يتردد فينظر آية سورة يقيمه الله فيها أو أي آية من سورة أو سور يجري الله على لسانه إن لم يكمل السورة بالقراءة فيعلم بذلك العالم الحاضر المراقب منزلته من الله في ذلك الوقت التي حصلت له من قراءة فاتحة الكتاب من قسمه الذي له منها ومن قسم ربه جزءا لما كان منه من الثناء على ربه والسؤال بالسورة التي يقرءوها فإن أتمها فالمنزلة له بكمالها بلا شك وإن اقتصر منها على ما اقتصر فحظه منها أي من تلك المنزلة بحسب ما اقتصر عليه منها والسنة إتمام السورة في الخبر الصحيح يقال لقارئ القرآن يوم القيامة اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ فاختر لنفسك أيها الإنسان واصخ إلي يلح لك البرهان (وصل في فصل صفة القراءة فيهما) فمن العلماء من استحب الأسرار ومنهم من استحب الجهر ومنهم من خير والذي أذهب إليه إذ لم يرد في ذلك نص نوقف عنده أن يسمع بالقراءة نفسه من جهة سمعه بحيث أن لا يسمع غيره قراءته وهي حالة بين الجهر والأسرار مناسبة لوقتها فإن وقتها وقت برزخي بين الليل والنهار ما هو ليل فيجهر ولا هو نهار فيسر ولولا إن النص في قراءة فرض الصبح ورد بالجهر لكان الحكم فيها كذلك نعم صلاة المغرب جمعت بين الجهر لما فيها من الليل وبين الأسرار لما فيها من النهار فأشبهت في الوقت النائم فإن النائم في موطن برزخي فيكون النائم يرى في نومه صيحات وزعقات وأمور إعظاما والذي إلى جانبه لا يعلم بما هو فيه هذا النائم فمعاملة الوقت بهذه الصفة من القراءة أولى للمناسبة وليفرق بمثل هذه الصفة في القراءة بينها وبين قراءة صلاة الصبح لتتميز من الفريضة ومن الحكمة تميز المراتب وارتفاع اللبس في الأشياء ومع هذا فالذي عندي إنه مخير والذي يقول بالجهر يلحقها بصلاة الليل لأن الليل ما لم تطلع الشمس في العرف لا في الشرع والذي يسرها يجعل طلوع الفجر من النهار المشروع للصائم الإمساك فيه ولم يعتبر ذلك في المغرب وسماه ليلا لقوله ثم أتموا الصيام إلى الليل وللشرع أن يعتبر المعنى الواحد باعتبارين في وقتين أو من وجهين له ذلك وقد قيل في تفسير قوله وفار التنور يريد ضوء الفجر وهو المعلوم من لسان العرب فإذا فار التنور وظهر انبغى للعبد أن يكون في صلاة ركعتي الفجر كما قال تعالى وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا وطلوع الفجر تجل رحماني للمعاش كطلوع الليل للسكون يقول تعالى ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله لما يتضمنه النهار غالبا من الحركات في المعاش وقوام النفوس ومصالح الخلق وتنفيذ الأوامر وإظهار الصنائع وإقامة المصنوعات في نشأتها وتحسين هيأتها فهو تجل إلهي رحماني بهذا العالم فلهذا استحببنا الاسرار بحيث أن يسمع نفسه فلا تسمع إلا همسا أي صوتا خفيا خشوعا لله تعالى وخضوعا وأدبا مع الحق وإنما شرع الجهر في الصبح عند هذا التجلي لأنه مأمور أمر فرض واجب بالكلام من الله فهو يتكلم عن أمر إلهي يعصى بتركه إذا قصده على حسب ما شرع له كما قال تعالى في حق هذا الفرض عند هذا التجلي الذي ذكرناه في مثل هذا اليوم يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا فورد الأذن فتعين الجهر والنافلة ليست لها هذه المرتبة في هذا التجلي فلا تسمع في النافلة إلا همسا فحصل الفرق بين المأمور والمختار والله الهادي (وصل في فصل) من جاء إلى المسجد ولم يركع ركعتي الفجر فوجد الصلاة تقام أو وجد الإمام يصلي فمن الناس من جوز ركوعهما في المسجد والإمام يصلي ومن الناس من قال لا يركعهما أصلا في هذا الحال وبه أقول ومن الناس من قال لا يخلو إما أن يكون خارج المسجد أو داخل المسجد فإن كان قد دخل المسجد فلا يركعهما وإن كان لم يدخل بعد فاختلف أصحاب هذا القول في الذي يكون خارج المسجد وقد سمع الإقامة أو قد رأى الإمام يصلي والناس يصلون فمنهم من قال إن لم يخف أن يفوته الإمام بتلك الركعة فليركعهما وإن خاف فلا يركعهما ويدخل مع الإمام في الصلاة ويقضيهما بعد طلوع الشمس وقال المخالف يركعهما من هو خارج المسجد ما غلب على ظنه أنه مدرك ركعة واحدة مع الإمام من صلاة الصبح
(٤٩٣)