شعورا خفيا فإنه لا بد لهذا أن يصغي إليه أي إلى ذلك الوارد حتى يأخذ عنه ما جاءه به من عند الحق فحاله كحال جليسك الذي يكون معك في حديث فيأتي شخص آخر في أمر من عند الملك إليه فيترك الحديث معك ويصغي إلى ما يقول له ذلك الشخص فإذا أوصل إليه ما عنده رجع إليك فحادثك فلو لم تبصره عينك ورأيته يصغي إلى أمر شعرت أن ثم أمرا شغله عنك في ذلك كرجل يحدثك فأخذته فكرة في أمر فصرف حسه إليه في خياله فجمدت عينه ونظره وأنت تحدثه فتنظر إليه غير قابل حديثك فتشعر أن باطنه متفكر في أمر آخر خلاف ما أنت عليه ومنهم من تكون قوته أقوى من الوارد فإذا أتاه الوارد وهو معك في حديث لم تشعر به وهو يأخذ من الوارد ما يلقى إليه ويأخذ عنك ما تحدثه به أو يحدثك به وما ثم أمر رابع في واردات الحق على قلوب أهل هذه الطريقة وهي مسألة غلط فيها بعض أهل الطريق في الفرق بين النبي والولي فقالوا الأنبياء يصرفون الأحوال والأولياء تصرفهم الأحوال فالأنبياء مالكون أحوالهم والأولياء مملوكون لأحوالهم والأمر إنما هو كما فصلناه لك وقد بينا لك لما ذا يرد الرسول ويحفظ عليه عقله مع كونه يؤخذ ولا بد عن حسه في وقت وارد الحق على قلبه بالوحي المنزل فافهم ذلك وتحققه وقد لقينا جماعة منهم وعاشرناهم واقتبسنا من فوائدهم ولقد كنت واقفا على واحد منهم والناس قد اجتمعوا عليه وهو ينظر إليهم وهو يقول لهم أطيعوا الله يا مساكين فإنكم من طين خلقتم وأخاف عليكم أن تطبخ النار هذه الأواني فتردها فخارا فهل رأيتم قط آنية من طين تكون فخارا من غير أن تطبخها نار يا مساكين لا يغرنكم إبليس بكونه يدخل النار معكم وتقولون الله يقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين إبليس خلقه الله من نار فهو يرجع إلى أصله وأنتم من طين تتحكم النار في مفاصلكم يا مساكين انظروا إلى إشارة الحق في خطابه لإبليس بقوله لأملأن جهنم منك وهنا قف ولا تقرأ ما بعدها فقال له جهنم منك وهو قوله خلق الجان من مارج من نار فمن دخل بيته وجاء إلى داره واجتمع بأهله ما هو مثل الغريب الوارد عليه فهو رجع إلى ما به افتخر قال أنا خير منه خلقتني من نار فسروره رجوعه إلى أصله وأنتم يا مناحيس تتفخر بالنار طينتكم فلا تسمعوا من إبليس ولا تطيعوا واهربوا إلى محل النور تسعدوا يا مساكين أنتم عمي ما تبصرون الذي أبصره أنا تقولون سقف هذا المسجد ما يمسكه إلا هذه الأسطوانات أنتم تبصرونها أسطوانات من رخام وأنا أبصرها رجالا يذكرون الله ويمجدونه بالرجال تقوم السماوات فكيف هذا المسجد ما أدري إما أنا هو الأعمى لا أبصر الأسطوانات حجارة وإما أنتم هم العمي لا تبصرون هذه الأسطوانات رجالا والله يا إخوتي ما أدري لا والله أنتم هم العمي ثم استشهدني دون الجماعة فقال يا شاب ألست أقول الحق قلت بلي ثم جلست إلى جانبه فجعل يضحك وقال يا ناس الأستاه المنتنة تصفر بعضها لبعض وهذا الشاب منتن مثلي هذه المناسبة جعلته يجلس إلى جانبي ويصدقني أنتم الساعة تحسبونه عاقلا وأنا مجنون هو أجن مني بكثير وإنما أنتم كما أعماكم الله عن رؤية هذه الأسطوانات رجالا أعماكم أيضا عن جنون هذا الشاب ثم أخذ بيدي وقال قم امش بنا عن هؤلاء فخرجت معه فلما فارق الناس ترك يدي من يده وانصرف عني وهو من أكبر من لقيته من المعتوهين كنت إذا سألته ما الذي ذهب بعقلك يقول لي أنت هو المجنون حقا ولو كان لي عقل كنت تقول لي ما الذي ذهب بعقلك أين عقلي حتى يخاطبك قد أخذه معه ما أدري ما يفعل به وتركني هنا في جملة الدواب آكل وأشرب وهو يدبرني قلت له فمن يركبك إذا كنت دابة قال أنا دابة وحشية لا أركب ففهمت أنه يريد خروجه عن عالم الإنس وأنه في مفاوز المعرفة فلا حكم للانس عليه وكذلك كان محفوظا من أذى الصبيان وغيرهم كثير السكوت مبهوتا دائم الاعتبار يلازم المسجد ويصلي في أوقات فربما كنت أسأله عند ما أراه يصلي أقول له أراك تصلي يقول لي لا والله إنما أراه يقيمني ويقعدني ما أدري ما يريد بي أقول له فهل تنوي في صلاتك هذه أداء ما افترض الله عليك فيقول لي أي شئ تكون النية أقول له القصد بهذه الأعمال القربة إليه فيضحك ويقول أنا أقول له أراه يقيمني ويقعدني فكيف أنوي القربة إلى من هو معي وأنا أشهده ولا يغيب عني هذا كلام المجانين ما عندكم عقول ثم لتعلم إن هؤلاء البهاليل كبهلول وسعدون من المتقدمين وأبي وهب الفاضل وأمثالهم منهم المسرور ومنهم المحزون وهم في ذلك بحسب الوارد الأول الذي ذهب بعقولهم فإن كان وارد قهر قبضهم كيعقوب
(٢٤٩)