شرفها بسر لا يعلمه إلا أهل الله فإنه من الأسرار المخصوصة بهم فكما إن الحد يجمعهم كذلك المقام يجمعهم لذاتهم إن شاء الله تعالى قال تعالى في الذين شقوا إن ربك فعال لما يريد ولم يقل عذابا غير مجذوذ كما قال في السعداء فإنه قال يا أيها الإنسان ولم يخص شخصا من شخص بل الظاهر أنه يريد من خالف أمره وعصاه مطلقا لا من أطاعه ما غرك بربك الكريم فنبه الغافل عن صفة الحق التي هي كرمه فإنه من كرمه أوجده ولهذا قال له الذي خلقك فسواك فعدلك يقول له بكرمه أوجدك ليقول له العبد يا رب كرمك غرني فقد يقولها لبعض الناس هنا في خاطره وفي تدبره عند التلاوة فيكون سبب توبته وقد يقولها في حشره وقد يقولها له وهو في جهنم فتكون سببا في نعيمه حيث كان فإنه ما يقولها له إلا في الوقت الذي قد شاء أن يعامله بصفة الكرم والجود فإن رحمته سبقت غضبه ورحمة الله وسعت كل شئ منة واستحقاقا وبالأصل فكل ذلك منة منه سبحانه فإنه الذي كتب على نفسه الرحمة للمتقي والمتقي بمنته سبحانه اتقاه وجعله محلا للعمل الصالح (وصل في فصل صفة الصلاة على الجنازة) فمنها عدد التكبير واختلف الصدر الأول في ذلك من ثلاث إلى سبع وما بينهما لاختلاف الآثار ورد حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر على الجنازة أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانية وقد ورد أنه كبر ثلاثا ولما مات النجاشي وصلى الله عليه وسلم كبر عليه أربعا وثبت على أربع إلى أن توفاه الله تعالى (وصل الاعتبار في هذا الفصل) أكثر عدد الفرائض أربع ولا ركوع في صلاة الجنائز بل هي قيام كلها وكل وقوف فيها للقراءة له تكبير فكبر أربعا على أتم عدد ركعات الصلاة المفروضة فالتكبيرة الأولى للإحرام يحرم فيها أن لا يسأل في المغفرة لهذا الميت إلا الله تعالى والتكبيرة الثانية يكبر الله تعالى من كونه حيا لا يموت إذا كانت كل نفس ذائقة الموت وكل شئ هالك إلا وجهه والتكبيرة الثالثة لكرمه ورحمته في قبول الشفاعة في حق من يشفع فيه أو يسأل فيه مثل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لما مات وقد كان عرفنا أنه من سأل الله له الوسيلة حلت له الشفاعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع فيه من صلى عليه وإنما يسأل له الوسيلة من الله لتحضيضه أمته على ذلك والتكبيرة الرابعة تكبيرة شكر لحسن ظن المصلي بربه في أنه قبل من المصلي سؤاله فيمن صلى عليه فإنه سبحانه ما شرع الصلاة على الميت إلا وقد تحققنا أنه يقبل سؤال المصلي في المصلي عليه فإنه إذن من الله تعالى في السؤال فيه فهو لا يأذن وفي نفسه أنه لا يقبل سؤال السائل قال تعالى في الشفاعة يوم القيامة ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وقال من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وقال ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له وقد أذن لنا أن نشفع في هذا الميت بالصلاة عليه فقد تحققنا الإجابة بلا شك ثم يسلم بعد تكبيرة الشكر سلام انصراف عن الميت أي لقيت من ربك السلام ولهذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عن ذكر مساوي الموتى فإن المصلي قد قال في آخر صلاته عليه السلام عليكم فأخبر عن نفسه أن الميت قد سلم منه فإن ذكره بمساءة بعد هذا فقد كذب نفسه في قوله السلام عليكم فإنه ما سلم منه من ذكره بسوء بعد موته فإن ذلك يكرهه الميت ويكرهه الله للحي فإن الحي يذكره به ولا ينتهي عن فعل مثله فيؤديه ذلك إلى أن يكون قليل الحياء من ربه (وصل في فصل رفع الأيدي عند التكبير في الصلاة على الجنائز والتكتيف) وأما رفع الأيدي عند كل تكبيرة والتكتيف فإنه مختلف فيهما ولا شك أن رفع اليدين يؤذن بالافتقار في كل حال من أحوال التكبير يقول ما بأيدينا شئ هذه قد رفعناها إليك في كل حال ليس فيها شئ ولا تملك شيئا وأما التكتيف فإنه شافع والشافع سائل والسؤال حال ذلة وافتقار فيما يسأل فيه سواء كان ذلك السؤال في حق نفسه أو في حق غيره فإن السائل في حق الغير هو نائب في سؤاله عن ذلك الغير فلا بد أن يقف موقف الذلة والحاجة لما هو مفتقر إليه فيه والتكتيف صفة الأذلاء وصفته وضع اليد على الأخرى بالقبض على ظهر الكف والرسغ والساعد فيشبه أخذ العهد في الجمع بين اليدين يد المعاهد والمعاهد أي أخذت علينا العهد في أن ندعوك وأخذنا عليك العهد بكرمك في أن تجيبنا فقلت وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني ولم يقل دعاني في حق نفسه ولا في حق غيره
(٥٢٨)