يراه سنة لا وجوبا ومن يرى من أهل الله أن الاستعداد الذي هو عليه عين المظهر كما أثر في الظاهر فيه إن يتميز عن ظهور آخر بأمر ما وباسم ما من حيوان أو إنسان أو مضطر أو بالغ أو عاقل أو مجنون فذلك الاستعداد عينه أوجب عليه الحكم بأمر ما كما أوجب له الاسم فقال له اغتسل لإحرامك أي تطهر بجمعك حتى تعم الطهارة ذاتك لكونك تريد أن تحرم عليك أفعالا مخصوصة لا يقتضي فعلها هذه العبادة الخاصة المسماة حجا أو عمرة فاستقبالها بصفة تقديس أولى لأنك تريد بها الدخول على الاسم القدوس فلا تدخل عليه إلا بصفته وهي الطهارة كما لم تدخل عليه إلا بأمره إذ المناسبة شرط في التواصل والصحبة فوجب الغسل ومن رأى أنه إنما يحرم على المحرم أفعال مخصوصة لا جميع الأفعال قال فلا يجب عليه الغسل الذي هو عموم الطهارة فإنه لم يحرم عليه جميع أفعاله فيجزئ الوضوء فإنه غسل أعضاء مخصوصة من البدن كما أنه ما يحرم عليه إلا أفعال مخصوصة من أفعاله وإن اغتسل فهو أفضل وكذلك إن عمم الطهارة الباطنة فهو أولى وأفضل (وصل في فصل النية للإحرام) وهو أمر متفق عليه إلا من شذ القصد بالمنع عين بقائك على ما أنت عليه فهذا حكم منسوب إليك تؤجر عليه وما عملت شيئا وجوديا وهو كالنهي في التكليف وله من الأسماء المانع والقصد أبدا لا يكون متعلقة إلا معدوما فيقصد في المعدوم أبدا أحد أمرين إما إيجاد عين وهو الكون وإما إيجاد حكم وهو النسبة وما ثم ثالث يقصد فمثل إيجاد العين إنما قولنا لشئ إذا أردناه ولا يريده إلا وهو معدوم أن نقول له كن فيكون فيظهر وجود عين المراد بعد ما كان معدوما ومثل إيجاد الحكم وهو النسبة قوله تعالى إن يشأ يذهبكم فالإذهاب معدوم وهو الذي يشاء إن شاءه فإن شاء أعدمه بمنع شرطه الذي به بقاء حكم الوجود عليه فيصير عليه حكم اسم المعدوم وما فعل الفاعل شيئا فتعلق القصد بالإعدام فاتصف الموجود بحكم العدم لا أنه كان العدم فإن العدم لا يكون مع وجود حكمه وهو النسبة وإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر أي في مظاهر ما وهو نسبة فإن الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها ذلك المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا وما كان من أشخاص المخلوقات كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع وضار ونافع وقادر وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما إن الحق لم يزل له حكم الوجود فحدث لعين الممكن اسم المظهر وللمتجلي فيه اسم الظاهر فلهذا قلنا فكل موجود سوى الله فهو نسبة لا عين فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا فيقال له افعل ولا تفعل ويكون مخاطبا بأنت وبكاف الخطاب فالقصد للإحرام هو القصد للمنع أن يمنع به ما يمكن أن لا يمنع فحينئذ يصير المنع حكما والتكليفات كلها أحكام فالنية للإحرام أن يقصد بذلك المنع القربة إلى الله والقربة معدومة فيكون سبب وجود حكمها هذا المنع فحصل للعبد بعد أن لم يكن فيصير مظهرا عند ذلك وهو غاية القرب ظهور في مظهر لأن بذلك الظهور يظهر حكم المظهر في الظاهر فيه كما يظهر بطريق القرب حكم الداعي في المدعو بما يكون منه من الإجابة قال تعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني إذ لا تكون إجابة إلا بعد الدعاء فأعطاه الداعي حكم الإجابة كما دعاه تعالى إلى الحج إلى بيته على صفة مخصوصة تسمى الإحرام فأجاب العبد رافعا صوته وهو الإهلال بالتلبية وهي قوله لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك (وصل في فصل هل تجزئ النية عن التلبية) اختلف علماء الرسوم رضي الله عنهم في ذلك فقال بعضهم التلبية في الحج كتكبيرة الإحرام في الصلاة وصاحب هذا القول يجزئ عنده كل لفظ يقوم مقام التلبية كما يجزئ عنده في الصلاة كل لفظ يقوم مقام التكبير وهو كل ما يدل على التعظيم وقال بعضهم لا بد من لفظ التلبية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خذوا عني مناسككم ومما شرع
(٦٩٤)