اتفق علماء الشريعة أن زوال العقل ينقض الطهارة (وصل حكم الباطن فيه) أن العقل إذا كان المزيل لحكمه في الإلهيات النص المتواتر من الشرع الذي لا يدخله احتمال ولا إشكال فيه فهو على أكمل الطهارة لأن طهارة الايمان مع وجود النص تعطي العلم الحق والكشف وإذا زال عقله بشبهة فقد انتقضت طهارته ويستأنف النظر في دليل آخر أو في إزالة تلك الشبهة (أبواب الأفعال التي تشترط هذه الطهارة في فعلها) اتفق العلماء على أن الوضوء شرط من شروط الصلاة واختلفوا هل هو شرط صحة أو شرط وجوب وأعني بالوضوء الطهارة المشروعة وهي عندنا شرط وجوب والطهارة عندنا عبادة مستقلة وقد تكون شرطا في عبادة أخرى شرط صحة أو شرط وجوب وقد تكون مستحبة وسنة في عبادة أخرى (وصل حكم الباطن في ذلك) طهارة القلب شرط في مناجاة الحق أو مشاهدته شرط وجوب وشرط صحة معا وسبب ذلك إننا في موطن التكليف ويطلب الايمان منا بالله وبما جاء من عنده وبالرسول والرسل وهذه إشارة أن الأمر ليس بمقصور إلا أنه عال وأعلى وفوق كل ذي علم عليم رفيع الدرجات يرفع درجات من يشاء وتارة يكون العلم شرطا في صحة الايمان وشرط وجوب فيه وتارة يكون الايمان شرطا في صحة علم الكشف وشرط وجوب فيه إلا أن الايمان فيه طهارة للقلب من الحجاب والعلم طهارة للقلب من الجهل والشك والنفاق فطهر قلبك بالطهارتين تسم بذلك في العالمين وتحوز به علم القبضتين فإن الله قد أوجب الايمان علينا بنفسه ومن نفسه أسماؤه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله مع علمنا بأن الله فضل بعضهم على بعض رسلا وأنبياء ثم نهانا أن نفضل بين الأنبياء قياسا أو نظرا فإن العبد لا يحكم على الله بشئ (باب الطهارة لصلاة الجنائز ولسجود التلاوة) اختلف أهل العلم رضي الله عنهم في الطهارة للصلاة على الجنائز ولسجود التلاوة فمن قائل إنها شرط من شروطها ومن قائل ليست بشرط وبه أقول (وصل في حكم الباطن في ذلك) أما حكم الباطن في ذلك كله فإنا نقول كل عمل مشروع لا تتقدمه طهارة الايمان لا يصح ذلك العمل بفقده فيجب وجود الايمان في كل عمل مشروع فمن قال لا يجب الوضوء لصلاة الجنازة وسجود التلاوة لم ير استحضار للموتى والسجود للتلاوة لا في الايمان في الدعاء واكتفى بالإيمان إلا صلى عن استحضاره عند الشروع في الفعل وهذا سبب عدم الإجابة ومن رأى أن الطهارة شرط كانت الإجابة ولا بد فيما يدعونيه (باب الطهارة لمس المصحف) اختلف أهل العلم في الطهارة هل هي شرط في مس المصحف أم لا فأوجبها قوم ومنعها قوم وبالمنع أقول إلا أن فعلها بالطهارة أفضل أعني مس المصحف (وصل في حكم الباطن في ذلك) هل يحترم الدليل لاحترام المدلول فعندنا نعم يحترم الدليل لاحترام المدلول وعند غيرنا لا يلزم فإن الدليل يضاد المدلول فلا يجتمعان فإن احترم الدليل فلأمر آخر لا لكونه دليلا على محترم والمصحف دليل على كلام الله وقد أمرنا باحترامه ومسه على الطهارة من احترامه فاعلم إنا قد نأخذ العالم دليلا على الله ونذهل عما يتضمن مسمى العالم من محمود ومذموم وقد نأخذ فرعون وأمثاله من المتكبرين دليلا على وجود الصانع لأنه صنعة واتفق أن عينته في الدلالة على الخصوص ولا يجب احترامه بل يجب مقته وعدم حرمته وقد نأخذ موسى عليه السلام من حيث إنه صنعته دليلا على وجود الصانع واتفق أن عينته في الدلالة على الخصوص وقد وجب علينا احترامه وتعظيمه من وجه آخر لا من وجه كونه دليلا فلهذا عظمنا المصحف لكون الشارع أمرنا باحترامه وتعظيمه لا لكونه دليلا ثم له حرمة أخرى لكونه دليلا وبه نعلل احترامه في وقت ما فإنه نقول فيه إنه كلام الله وإن كنا نحن الكاتبين له بأيدينا (باب إيجاب الوضوء على الجنب عند إرادة النوم أو معاودة الجماع أو الأكل أو الشرب) اختلف علماء الشريعة فيما ذكرناه في هذه الترجمة فمن قائل بإيجابه ومن قائل باستحبابه وبه أقول (وصل حكم
(٣٥٧)