لا سيما وكونها واجبا * لأنها دلت على العلم بعينها وكل علم لها * لذاتها كالكيف والكم فضلها الله على خلقه * بما لها من جودة الفهم فمن راعى حفظ هذي القوي مما ينالها من الضرر لسد المسام وانعكاس الأبخرة المؤذية لها المؤثرة فيها قال بالغسل ومن غلب الحرمة لصغر الزمان في ذلك وندور الضرر ضعف عنده الموجب فكره ذلك ألا تراهم كيف أنفقوا في الجنابة لقوة الموجب وإن كان الغسل بالماء يزيده شعثا في تلبيد الرأس والله تعالى قد أمرنا بإلقاء التفث عنا لما ذكرناه من حفظ القوي وما في معناها لأن الطهارة والنظافة مقصودة للشارع لأنه القدوس وما له اسم يقابله فيكون له حكم ولما جهل علماء الرسوم حكمة هذه العبادة من حيث إنهم ليس لهم كشف إلهي من جانب الحق جعلوا أكثر أفعالها تعبدا ونعم ما فعلوه فإن هذا مذهبنا في جميع العبادات كلها مع عقلنا بعلل بعضها من جهة الشرع بحكم التعريف أو بحكم الاستنباط عند أصحاب القياس ومع هذا كله فلا نخرجها عن أنها تعبد من الله إذ كانت العلل غير مؤثرة في إيجاد الحكم مع وجود العلة وكونها مقصودة وهذا أقوى في تنزيه الجناب الإلهي إذا فهمت (وصل في فصل غسل المحرم رأسه بالخطمي) أما غسل المحرم رأسه بالخطمي فإنهم اتفقوا على منعه فإن غسل به قال بعضهم فيه الفداء وقال بعضهم إن غسل فلا شئ عليه وبه أقول من غير منع منه ولا من غيره إذ كل سبب موجب للنظافة ظاهرا وباطنا ينبغي استعماله في كل حال فإن الله جميل يحب الجمال وما ورد كتاب ولا سنة ولا إجماع على منع المحرم من غسل رأسه بشئ ولما أمر الله تعالى الإنسان أن يدخل في الإحرام فيصير حراما بعد ما كان حلالا وصفه بصفة العزة أن يصل إليه شئ من الأشياء التي كانت تصل إليه قبل أن يتصف بهذه المنعة إذ الأشياء تطلب الإنسان لأنها خلقت من أجله فهي تطلبه بالتسخير الذي خلقها الله عليه والإنسان مخلوق على الصورة ومن حقيقة الصورة التي خلق عليها العزة أن تدرك أو تنال بأكثر الوجوه مثل قوله تعالى لا تدركه الأبصار يعني في الدنيا وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة مع ثبوت الرؤية في الآخرة فهذه عزة إضافية لأنه حجر ثم أباح فجعل لمن حصل الصورة بخلقه عزة وتحجيرا في عبادات من صوم وحج وصلاة أن يصل إليه بعض ما خلق من أجله فاعتز وامتنع عن بعض الأشياء ولم يمتنع عن أن يناله بعضها كما لم يمنع من خلق على صورته أن تناله التقوى منا والتقوى في المتقين من خلقه فقوى الشبهة في الشبه ليلحق الأدلة بالشبه إذ الكل منه وإليه بل الكل عينه فما حرمت عليه الأشياء على الحقيقة وإنما هو الحرام على الأشياء لأنه ما خلق إلا لربه والأشياء خلقت له فهي تطلبه كما أنه يطلب ربه فامتناع في وقت كامتناع ووصول في وقت كوصول إن فهمت فقد بينت لك مرتبتك قال تعالى في حق الإنسان وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه وقال هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا وقال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وفي التوراة المنزلة على موسى عليه السلام يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي فلا تهتك ما خلقت من أجلي فيما خلقت من أجلك فأبان سبحانه لك عن مرتبتك لتعرف موطن ذلتك من موطن عزتك وأنت ما اعتززت ولا صرت حراما على الأشياء منك بل هو جعلك حراما على الأشياء إن تنالك فأمرك أن تحرم فدخلت في الإحرام فصرت حراما وما جعل ذلك لك عن أمره سبحانه إلا ليكون ذلك قربة إليه ومزيد مكانة عنده تعالى وحتى لا تنسى عبوديتك التي خلقت عليها بكونه تعالى جعلك مأمورا في هذه المنعة دواء لك نافعا يمنع من علة تطرأ عليك لعظيم مكانتك فلا بد أن يؤثر فيك خلقك على صورته عزة في نفسك فشرعها لك في طاعته بأمر أمرك فيه أن تكون حراما لا احتجار عليك بل احتجارا لك ألا ترى من خذله الله كيف اعتز على أمثاله بقوله أنا ربكم الأعلى هل جعله في ذلك إلا علمه بمرتبته لا علمه بنفسه فالإنسان عبد عينا ورتبة كما هو سيد عينا لا رتبة ولهذا إذا ادعى الرتبة قصم وحرم وإذا ادعى العين عصم ورحم والإنسان واحد في الحقيقة غير أنه ما بين معتنى به وغير معتنى به فهذا اعتبار هذا الفصل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الرابع والستون
(٦٨٥)