وما فارق الأرض مما ينطلق عليه اسم الأرض إذا كان في الأرض فإنه مختلف فيه ما عدا التراب كما ذكرنا وهذه الطهارة قد تكون عبادة مستقلة كما قال صلى الله عليه وسلم فيها نور على نور وقد تكون شرطا في صحة عبادة مشروعة مخصوصة لا تصح تلك العبادة شرعا إلا بوجودها أو الأفضلية فالأول كالوضوء على الوضوء نور على نور والثاني لرفع المانع عن فعل العبادة التي لا تصح لا بهذه الطهارة واستباحة فعلها وهو الأصل في تشريعها ومما تقع به هذه الطهارة ما يكون رافعا للمانع مبيحا للفعل معا وهو الماء بلا خلاف ونبيذ التمر في الوضوء بخلاف ومنه ما تقع به الإباحة للفعل المعين في الوقت المفروض وقوعه ولا يرفع المانع بخلاف وهو التراب وعندي إنه يرفع المانع في الوقت ولا بد وكون الشارع حكم بالطهارة إذا وجد الماء حكم آخر منه كما عاد حكم المانع بعد ما كان ارتفع وما عدا التراب مما فارق الأرض بخلاف قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم بنصف اللام وخفضه إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضي أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط ولم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وقال تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وزاي الرجز هنا بدل من السين على قراءة من قرأ الزراط بالزاي وهي لغة قرأ ابن كثير بها أعني بالسين وحمزة بالزاي وباقي القراء بالصاد سمعت شيخا وكنت أقرأ عليه القرآن يقال له محمد بن خلف بن صاف اللخمي بمسجده المعروف به بقوس الحنية بإشبيلية من بلاد الأندلس سنة ثمان وسبعين وخمسمائة فقرأت السراط بالسين لابن كثير فقال لي سأل بعض ناقلي اللغة بعض الأعراب كيف تقولون صقر أو سقر فقال له ما أدري ما تقول ولكنني أظنك تسأل عن الزفر فقال فزادني لغة ثالثة ما كنت أعرفها قال الفراء الرجس القذر ولا شك أن الماء يزيل القذر والطهور الشرعي يذهب قدر الشيطان قال تعالى وثيابك فطهر قال امرؤ القيس وإن كنت قد ساءتك مني خليقة * فسلي ثيابي من ثيابك تنسل فكنى بالثوب عن الود والوصلة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر عن ربه سبحانه ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ومن أسمائه سبحانه المؤمن فمن تخلق به فقد طهر قلبه لأن القلب محل الايمان وكانت السعة الإلهية والتجلي الرباني (والطهارة عامة) وهي الغسل للفناء الذي عم ذاته لوجود اللذة بالكون عند الجماع أريها السهى وتريني القمر (وخاصة) وهي الوضوء المخصص بعض الأعضاء بالاغتسال والمسح وهو تنبيه على مقامات معلومة وتجليات شريفة منها القوة والكلام والأنفاس والصدق والتواضع والحياء والسماع والثبات فهذه أعضاء الوضوء وهي مقامات شريفة لها نتائج في القرب إلى الله وهذه الطاهرة الروحانية بأحد أمرين إما سر الحياة أو بأصل النش ء الطبيعي العنصري فالوضوء بسر الحياة لمشاهدة الحي القيوم أو بأصل النش ء في الأب الذي هو أصل الأبناء وهو الأرض والتراب وليس إلا النظر والتفكر في ذاتك لتعرف من أوجدك فإنه أحالك عليك في قوله تعالى وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي قول رسوله صلى الله عليه وسلم من عرف نفسه عرف ربه أحالك عليك بالتفصيل وأخفاك عنك بالإجمال لتنظر وتستدل فقال في التفصيل ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين وهو آدم عليه السلام هنا ثم جعلناه نطفة في قرار مكين وهي نشأة الأبناء في الأرحام مساقط النطف ومواقع النجوم فكنى عن ذلك بالقرار المكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما وقد تم البدن على التفصيل فإن اللحم يتضمن العروق والأعصاب وفي كل طور له آية * تدل على إنني مفتقر ثم أجمل خلق النفس الناطقة الذي هو بها إنسان في هذه الآية فقال ثم أنشأناه خلقا آخر عرفك بذلك أن المزاج لا أثر له في لطيفتك وإن لم يكن نصا لكن هو ظاهر وأبين منه قوله فسواك فعدلك وهو ما ذكره في التفصيل من التقلب في الأطوار فقال في أي صورة ما شاء ركبك فقرنه بالمشيئة فالظاهر أنه لو اقتضى المزاج روحا خاصا معينا ما قال
(٣٣١)