وذكرنا ثم قال وملائكته أيضا تصلي عليكم بما قد شرع لها من ذلك وهو قوله ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ يعني القيامة والمعصومين من وقوع السيئات منهم فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم فهذا كله قول الملائكة فصلاة الملائكة علينا كصلاتنا على الجنازة سواء لمن عقل ثم قال ليخرجكم بلام السبب من الظلمات إلى النور ابتداء منه ومنة وبدعاء الملائكة وهو هذا الذي ذكرناه ولهذا قال وملائكته وهو قولهم وقهم السيئات فإن السيئات ظلمات فمنهم من يخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ومن ظلمات المخالفة إلى نور الموافقة ومن ظلمات الضلال إلى نور الهدى ومن ظلمات الشرك إلى نور التوحيد ومن ظلمات الحجاب إلى نور التجلي ومن ظلمات الشقاء والتعب إلى نور السعادة والراحة ثم قال وكان بالمؤمنين أي بالمصدقين رحيما أي رحمهم لما صدقوا به من وجوده الذي هو أعم من التصديق بالتوحيد ثم يندرج بعد الايمان بالوجود الإلهي كل ما يجب به الايمان على طبقاته ثم قال تحيتهم يوم يلقونه سلام أي إذا وقع اللقاء بشر بالسلامة أنه لا يشقى بعد اللقاء أبدا فلله رجال يلقونه في الحياة الدنيا ويبشرون بالسلام وثم من يلقاه إذا مات وثم من يلقاه عند البعث وثم من يلقاه في تفاصيل مواقف القيامة على كثرتها ومنهم من يلقاه بعد دخول النار وبعد عذابه فيها ومتى وقع اللقاء حياه الله بالسلام فلا يشقى بعد ذلك اللقاء فلهذا جعل السلام عند اللقاء ولم يعين وقتا مخصوصا لتفاوت الطبقات في لقائه فأخر لاق يلقاه المؤمن بوجوده خاصة فإنه قال بالمؤمنين ولم يقيد فلا نقيد وقوله وأعد لهم أجرا كريما كل أجر على قدر ما عنده من الايمان وأقلهم أجرا المؤمن بوجود الله إلها إلى ما هو أعظم في الايمان فصلاة الله رحمته بخلقه ولذا قال وكان بالمؤمنين رحيما وقال الرحمن على العرش استوى والعرش ما حوى ملكه كله مما وجد ورحمتي وسعت كل شئ وعرشه وسع كل شئ والنار ومن فيها من الأشياء والرحمة سارية في كل موجود فصلاة الحق كائنة على كل موجود والخلق صور خيالية محركهم الحق والناطق عنهم الحق فهم مصرفون تجري عليهم أحكام القدرة وهم محو في عين ثبوتهم وعدم في حال وجودهم أولئك هم الصامتون الناطقون والميتون الأحياء كحياة الشهداء فالعقل يشهد ما لا يشهد البصر فإقامة الصلاة الإلهية عموم رحمته بمخلوقاته فهي مخلوقة قال تعالى أعطى كل شئ خلقه والرحمة شئ وخلقها تعميمها وكذلك صلاة الملائكة تامة الخلقة فإنها دعت للذين تابوا كما ذكر وقالت أيضا وقهم السيئات فعمت فما تبقي أمر إلا دخل في صلاة الملائكة من طائع وعاص على أنواع الطاعات والمعاصي (وصل) وأما صلاة الإنسان والجن وهو قوله تعالى الذين يقيمون الصلاة فإقامة البشر لها أن تنسب إليهم بمعنى الرحمة كما نسبت إلى الحق وبمعنى الدعاء والرحمة كما نسبت إلى الملائكة وبمعنى الدعاء والرحمة وإتمام التكبير والقيام والركوع والسجود والجلوس كما ورد في الخبر فمن أتم ركوعها وسجودها وما شرع فيها وإن كان في جماعة مما تستحقه صلاة الجماعة والائتمام فقد أكمل خلقها وإن كان انتقص منها شئ كانت له بحسب ما انتقص منها والله لا يقبلها ناقصة فيضم بعض الصلوات إلى بعض فإن كانت له مائة صلاة وفيها نقص كملت بعضها من بعض وأدخلت على الحق كاملة فتصير المائة صلاة مثلا ثمانين صلاة أو خمسين أو عشرة أو زائدا على ذلك أو ناقصا عنه هكذا هي صلاة الثقلين (وصل) قال الله تعالى ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والطير صافات كل أي كل هؤلاء قد علم صلاته الضمير يعود على الله من قوله صلاته أي صلاة الله عليه بنفس وجوده ورحمته به في ذلك وقوله وتسبيحه الضمير يعود في تسبيحه على كل أي ما يسبح ربه به وهو صلاته له فوصف الحق نفسه بالصلاة وما وصف نفسه بالتسبيح فعم بهذه الآية العالم الأعلى والأسفل وما بينهما (وصل) من غيرة الله أن تكون لمخلوق على مخلوق منة لتكون المنة لله ما خلق مخلوقا إلا وجعل لمخلوق عليه يدا بوجه ما فإن أراد الفخر مخلوق على مخلوق بما كان منه إليه نكس رأسه ما كان من مخلوق آخر إليه فالعارفون مثل الأنبياء والرسل والكمل من العلماء بالله لا يخطر لهم ذلك لمعرفتهم بحقائق الأمور وما ربط الله به العالم وما يستحقه جلاله مما ينبغي أن يفرد به ولا يشارك فيه فنصب الأسباب وأوقف الأمور بعضها على بعض وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار عند
(٥٤٠)